أوسلو الصغيرة الجميلة… غنية بالمتاحف والمعالم العمرانية المميزة

عندما نذكر أوسلو عاصمة النروج قد يأتي على ذهننا مقاتلو الفايكنغ الأشداء، أو يخطر في بالنا الثلج والظلام والبرد والغابات اللامتناهية والخلجان، ولربما ترتبط عندنا بحفل تسليم جائزة نوبل للسلام. لكن عند زيارتها، سيرى السائح أنها مدينة جذابة وأليفة قريبة إلى القلب ووديعة وسيعود منها محملاً بذكريات وصور جميلة.




فأوسلو رغم كونها عاصمة لدولة عرفت بثرائها جراء انتاجها كميات كبيرة من البترول والغاز في العقود الأخيرة من السنين، هي مدينة بسيطة وصغيرة نسبياً وأناسها ودودون. فعدد سكانها لا يزيد على 650 ألف نسمة، وحتى لو أدخلنا في الحساب البلديات المجاورة في محيطها، فلن يزيد العدد عن مليون شخص. وفي هذا ميزة للسائح، فسيتمكن من زيارة أغلب معالمها في فترة وجيزة، لتقاربها، حتى لو تنقل مشياً. فقطع المسافة بين القصر الملكي وقلعة المدينة، على سبيل المثال، يستغرق نحو ثلث ساعة سيراً على الأقدام. كذلك يتجاور العديد من المتاحف والمعارض والمتنزهات، مثل متحف سفينة الفايكنغ ومتحف التراث النروجي (أكبر متحف مكشوف من نوعه في أوروبا) والمتحف البحري ومتحف كون – تيكي (سفينة الرحالة النروجي الشهير تور هَيَردال 1914- 2002 التي عبر بها المحيط الأطلسي عام 1947) ومتحف القطب الشمالي.

وأثار انتباهي العدد الكبير من المتاحف والمعارض والمنشآت الثقافية التي تزدحم بها المدينة، كذلك العدد الكبير من المطاعم والمقاهي التي كانت مكتظة بروادها وفي كل الأوقات. وهناك بضعة مقترحات لزيارة أهم المتاحف والمعارض الفنية التي لا يمكن تعويضها في أي مكان آخر. من أهمها زيارة متحف الفنان التشكيلي الأوسلوي أدفارد مونك (1863 – 1944) صاحب لوحة «الصرخة» الشهيرة، وبيت فرام وهو اسم سفينة المستكشف النروجي الكبير أموندسن التي استعملها لاستكشاف القطبين، ومتحف سفن الفايكنغ حيث تُعرض سفينتان تعودان للقرن التاسع الميلادي حفظتا بصورة جيدة. ومن المثير كذلك زيارة مبنى دار الأوبرا، لأنها الوحيدة في العالم التي يمكن الصعود إلى سطحها والسير عليها. ويمكنني أن أضيف إلى البرنامج زيارة متنزه فروغنر ومعرض التماثيل المكشوف، وكلها من نحت الفنان النروجي غوستاف فيغلاند (1869 – 1943).

الانطلاق من محطة القطار الرئيسية خير بداية لزيارة معالم المدينة. فهي عقدة المواصلات الرئيسية، وتصل إليها القطارات القادمة من أنحاء النروج منها القطارات القادمة من مطار غاردامون الرئيسي، ومن باقي المطارات، وتقع حواليها فنادق راقية مثل راديسون بلو وبريستول. وإذا اتجهنا إلى يسار المحطة، سنصل إلى الشارع الرئيسي، شارع الملك كارل يوهان الذي يمر بمحاذاة حديقة طويلة على امتداده. سنجد على اليسار مبنى رئاسة الوزراء بعد أن نترك الكاتدرائية الرئيسية لأوسلو، وهي بناية متواضعة إذا ما قورنت بالكاتدرائيات الرئيسة في المدن الأوروبية عموماً. بعد ذلك سنرى على اليمين بناية جامعة أوسلو الشهيرة (بناية كلية الحقوق)، وبعدها على اليسار مبنى المسرح الوطني الذي أطلق عليه اسم الكاتب المسرحي الأوسلوي الشهير هنريك إبسن (1828 – 1906).

يرتفع الشارع تدريجياً ليصل بنا إلى مبنى القصر الملكي المبني على الطراز الكلاسيكي الجديد الذي يقع فوق مرتفع صغير. ويقف أمام باب القصر حارسان، ولربما نرى أفراد شرطة من الشابات الشقراوات الجميلات ببدلة عمليات زرقاء غامقة وقبعة سويسرية (بيريه)، وهن يقفن مبتسمات بكل سرور مع السياح اليابانيين لالتقاط الصور. بدأ تشييد بناية القصر الملكي عام 1825 في عهد الملك كارل يوهان الذي سمي الشارع المؤدي للقصر باسمه. والقصر مفتوح أمام الزوار في فصل الصيف، وحديقة القصر وباحته الرئيسية مفتوحتان على الدوام إذ لا تحيطهما أسوار على الاطلاق.

يقع متحف هنريك إبسن في الشارع المجاور للقصر، وهو البيت الذي أقام فيه الكاتب ووضع فيه آخر مسرحيتين. وبموازاة شارع كارل يوهان تقع في شارع كريستيان الرابع وبالقرب منه متاحف عديدة، مثل المتحف الوطني للفنون والمتحف الوطني للتاريخ والغاليري الوطني والجمعية الجغرافية النروجية، وعدد من المطاعم والفنادق الراقية.

أما إذا اتجهنا من محطة القطار إلى اليمين قليلاً، فسنصل إلى نُهير آكر الذي يخترق أوسلو ويصب في خليجها. والمنطقة التي يمر بها النهر منطقة شعبية وشبابية فيها الكثير من المطاعم والبيوت الثقافية، إضافة إلى الحديقة النباتية الشهيرة ومتحف التاريخ الطبيعي، وبالقرب منها نجد متحف أدفارد مونك الذي يستضيف هذه الأيام معرضاً للفنان الهولندي فان غوخ، ويقارب المعرض بين لوحات مونك وفان غوخ. في تلك المنطقة أيضاً نجد كلية الفنون الجميلة على النهير الذي ينحدر سريعاً في بعض المواقع ليشكل شلالين صغيرين. ويقع ما يعرف بصالة الطعام (Mathallen) بالقرب من النهير في منطقة صناعية قديمة يجري تحويلها إلى مراكز ثقافية وترفيهية. وقد احتلت مجموعات من الشباب الفوضوي بعض المباني المهجورة فيها وزينتها على طريقة الغرافيتي بشعارات معادية للرأسمالية والبنوك والعولمة.

وعندما نترك محطة القطار متجهين صوب خليج أوسلو فسنرى أمامنا بناية دار الأوبرا البيضاء المتميزة التي تشبه سفح تل يمكن تسلقه، بل يجب تسلقه لإلقاء نظرة من فوق البناية على أجزاء المدينة المختلفة. وتعتبر أوبرا أوسلو التي تتسع قاعتها الكبرى لـ 1369 مقعداً بين أشهر دور الأوبرا في العالم. وتعمل فيها فرقة ممتازة يقودها قادة أوركسترا معروفون على صعيد عالمي.

لننطلق من دار الأوبرا ونسير على الساحل في اتجاه مركز المدينة. سنمر من جنب سوق الأوراق المالية النروجية (البورصة)، وهي بناية صغيرة لا تثير الكثير من الانتباه. بعد مسافة قليلة نصل قلعة وقصر آكر التي تعود إلى 1299 ميلادية. وتقع في منطقة القلعة متاحف عدة، بينها متحف المقاومة النروجية ضد الاحتلال الألماني النازي. وقدم النروجيون مثلاً في البسالة ضد الاحتلال الهتلري، يفخر به الشعب النروجي حتى اليوم. ومن فوق القلعة نطل على مناظر المدينة الخلابة وخليج أوسلو الرائع وبناية بلدية أوسلو المتميزة ببرجيها العاليين، وهي تقع إلى جوار القلعة. وقد افتتحت البلدية في 1950 وزينت جدرانها بلوحات بارزة (رليف) تمثل مشاهد من التاريخ النروجي. وتقام احتفالات تسليم جوائز نوبل للسلام في مبنى البلدية. ويقع مركز نوبل للسلام بالقرب من البلدية.

هنا نصل إلى أحدث أجزاء أوسلو، وهي شبه جزيرة سميت بميناء الحرامية Tjuvholmen. نجد فيها الكثير من المطاعم والمقاهي ومكاتب الشركات والأبنية السكنية الحديثة وعدداً كبيراً من غاليريهات الفن المعاصر. باختصار هي مدينة عصرية كاملة تمتد كاللسان في خليج أوسلو. تؤلف المباني السكنية ثلثي الحي، والثلث الباقي خصص للنشاط الاقتصادي. وقد تمتعت ذات أمسية بتناول «مختارات» من السوشي اللذيذ في مطعم هانامي Hanami هناك، وهو من المطاعم الراقية التي تقدم المطبخ الياباني بطريقة عصرية، باستعمال مواد أولية فاخرة. الأسعار ليست خيالية فيه، فمعدل سعر الأطباق هو 150-170 كروناً نروجياً (18-20 يورو). ألا أن من يود الخروج من المطعم شبعان عليه تناول نصف قائمة الطعام، لهذا قد يدفع الزبون نحو 100 يورو. يقدم مطعم هانامي لحم بقر واغيو الياباني الشهير، لكن أكثر ما لفت انتباهي هو الحلويات التي تجهز فيه، فهي من روائع المطبخ المعاصر حسب رأيي المتواضع. ويتردد أفراد العائلة النروجية المالكة على مطعم هانامي كثيراً. وسبب ذلك بسيط: فلو نحينا جانباً جودة الطعام وتنوعه، سنجد أن هذا المطعم يقع في جوار مرسى اليخت الملكي، حيث تذهب الأميرات والأمراء وضيوفهم بعد العشاء لإكمال الأمسية.

ويغلب على مطاعم المدينة عموماً الطابع الشرقي، بالدرجة الأولى المطبخ الياباني، وثانياً المطبخ الباكستاني، إذ يشكل الباكستانيون أكبر أقليات أوسلو. لكن على العموم يمكن العثور على كل أصناف المطبخ العالمي هناك، إذ جلب المهاجرون أطعمة بلادهم معهم.

لربما يتجنب الكثير من السياح العاصمة النروجية أوسلو بسبب ما عرف عنها بأنها بين أغلى مدن العالم. وهي كذلك بالفعل، حتى إذا ما قارنّاها بالدول المجاورة مثل السويد أو الدنمارك. لكن هناك الكثير من الطرق الملائمة لتقليل نفقات زيارة هذه المدينة الرائعة. مثلاً يمكن الاستعاضة عن كارت جواز أوسلو (36 يورو لمدة يوم أو 53 يورو لمدة يومين أو 67 يورو لمدة أسبوع للبالغين)، بجواز تنقل شركة النقل المحلية للمنطقة الداخلية فقط (10 يورو لمدة يوم و27 يورو لمدة أسبوع)، رغم خسارة مزايا كارت أوسلو الكثيرة في هذه الحالة بالطبع، مثل الحصول على تخفيضات في بعض المطاعم وزيارة أغلب المتاحف مجاناً. ويمكن الحصول على مبيت بسعر معتدل بحدود 50 يورو لليلة الواحدة. وهناك بعض المطاعم التي يمكن تناول وجبة فيها بسعر 15-20 يورو، وهو سعر معقول نسبة إلى أسعار أوسلو.

+ -
.