إسرائيل الولاية الألمانية السابعة عشر – د. نزيه بريك

نزيه بريك

أقرّ البرلمان الألماني (البوندس تاغ) يوم الخميس 26.04.2018،  وبأغلبية ساحقة، الطلب الذي جاء تحت عنوان “سبعون عاما على إقامة دولة اسرائيل – من المسؤولية التاريخية تعزيز صداقتنا التطلعية”، تقدم به طرفا الائتلاف الحاكم – التحالف المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ومن خارج الإئتلاف الحزب الديمقراطي الحر –الليبرالي-، ونص الطلب على أن “حق إسرائيل في الوجود وأمنها أمران لا يقبلان المساومة”، وتضمن إقراراً بيهودية إسرائيل، ووصفها بـ”الدولة الديمقراطية اليهودية”، وتطرق إلى تزايد مظاهر “معاداة السامية” في ألمانيا:  “لا يمكن القبول بتزايد هذه الإعتداءات أو أن يشعر اليهود في ألمانيا بالتهديد”. ونصّ أيضا على أن تقوم الحكومة مع شركائها في المجتمع الدولي بعمل ما من شأنه التوصل لحل الدولتين، الذي يراه “حلا ومخرجا” للصراع الدائر بالشرق الأوسط.

في المقابل تقدمت كتلة حزب اليسار مع كتلة حزب إتحاد 90 \ الخُضر بمشروع  قرار آخر لا يختلف في مضامينه تجاه سيادة وأمن إسرائيل عن سابقه، والذي جاء تحت عنوان “سبعون عاما دولة اسرائيل”، لكنه تطرق إلى الصراع في المنطقة وأكدعلى ضرورة الحل وفق قاعدة الدولتين، بالإضافة أنه لم يقر بيهودية الدولة، بل دعا لأن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية وتكفل الحقوق الكاملة لبقية مواطنيها دون تمييز على أساس ديني أو عرقي، مع الالتزام بعدم رفض حق الفلسطينيين في تقرير مصرهم. و اعتبر سياسة الاستيطان التي تنتهجها إسرائيل عائقا أمام تحقيق السلام، وأشار إلى تعرض الفلسطينيين داخل إسرائيل للعنصرية بشكل مستمر، داعيا حكومة اسرائيل إلى مراجعة سياساتها تجاه ذلك.

وصوّت لصالح القرار كل من حزب التحالف المسيحي  والحزب  الاشتراكي الديمقراطي  والحزب الديمقراطي الحر  وحزب اتحاد 90 \ الخضر والحزب اليميني المتطرف – حزب البديل من أجل المانيا.

وقد أكد النواب على حق دولة إسرائيل في الوجود، واعتبروا  “المحرقة السبب الأكثر أهمية لأقامة الدولة”. لذا فإن المسؤولية الخاصة لإسرائيل والصداقة الخاصة لهذا البلد هي جزء من أولويات الدولة الألمانية، وأكد البرلمان على أن “اسرائيل وألمانيا، وعلى خلفية التاريخ، غير قابلتان للإنفصال”.

لم يخلو النقاش من ممارسة العهر السياسي، حيث ذهب البرلماني الكسندر غراف لامبسدورف، من الحزب الديمقراطي، الحر إلى التهجم على  أتباع حزب اليسار لدعمهم حركة BDS، التي تدعو إلى مقاطعة اسرائيل على خلفية ممارساتها في الأراضي المحتلة، وكأنه يريد القول أن هذا الدعم يصب في معاداة السامية.

وذهب  فولكر كاودر، رئيس المجموعة البرلمانية  للتحالف المسيحي الديمقراطي من الإتلاف الحاكم،  إلى مقارنة مطالبات  “حركة مقاطعة اسرائيل” بالشعار الذي ساد في فترة النازية “لا تشتروا من اليهود”، واعتبرها “غير مقبولة في بلادنا”.

واتهمت البرلمانية بياتريكس فون شتورش، من حزب  البديل اليميني المتطرف، الحكومة الألمانية بأنها “تشجع كراهية اليهود ومعاداة اسرائيل” من خلال دعمها تمويل وكالة الأمم المتحدة للغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وتسابقت الكتل البرلمانية التي تقدمت بالطلب على الخطابات الرنانة في احتضان اسرائيل، لدرجة أن المستمع قد يعتقد أن اسرائيل هي الولاية الألمانية السابعة عشر.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل  قالت “الوقوف مع حق اسرائيل بالوجود والأمن، هو أولوية الدولة وفوق كل الأولويات”

وأما مارتن شولتز، الرئيس السابق للحزب الاشتراكي، فقد اعتبر أن تأمين وجود إسرائيل يجب أن يكون “هدف دولة” لألمانيا، لأن “بحماية إسرائيل ، نحمي أنفسنا” من “شياطين الماضي”.

ديتمار بارتش من حزب اليسار قال “أن تاريخ إسرائيل هو أيضا تاريخ اليهودية. لكن تاريخ الدولة هو أيضا تاريخ “المقاومة والتحرر”، وعلى خلفية الجرائم التي ارتكبت خلال الحقبة النازية، يجب على ألمانيا مواجهة هذا التاريخ  بمسؤولية خاصة وتواضع ضروري. كانت إسرائيل ملاذا لأولئك الذين يحتاجون إلى الحماية، ولسوء الحظ، لا تزال هناك حاجة إلى مثل هذا الميناء اليوم.

وأكدت كاترين جورنج إيكاردت من حزب  الخضر “أن المحرقة كانت وما تزال قاسية، فريدة، لا يمكن تصورها”، لهذا السبب يجب أن تكون ألمانيا اليوم “الضامن لوجود دولة إسرائيل”.

رئيسة كتلة حزب اتحاد 90 \ الخضر في البرلمان غورينغ إيكارد، ورغم أنها أيدت ما جاء في نص الإقتراح الذي تقدمت به أحزاب الائتلاف الحاكم  فقد ذهبت الى أبعد من ذلك حيث قالت أن النص يفتقد إلى فقرة تؤكد على حق ازدواجية الجنسية، وطالبت الحكومة بالسماح لليهود حمل الجنسيتين الاسرائيلية والألمانية، وشددت على حق اسرائيل بالوجود وطالبت أن كل شخص يأتي للعيش في ألمانيا عليه أن يعترف بهذا الحق، وفي ذالك إشارة إلى العرب والمسلمين المقيمين في ألمانيا، وأشارت إلى أن الطلب يفتقد “بالتنديد الواضح للمستوطنات غير القانونية على أنها عقبات في طريق السلام”.

وأشاد رئيس كتلة التحالف المسيحي في البرلمان، فولكار كاودر، بالمظاهرات التي شهدتها بعض المدن الألمانية تضامنا مع اليهود في المانيا، والتي جاءت قبل يوم من انعقاد جلسة البرلمان الألماني حول اسرائيل. وقد عبر المتظاهرون عن رفضهم “معاداة السامية” بارتدائهم القبعة اليهودية “كيباه”، وشهدت برلين أكبر مظاهرة تحت شعار “برلين ترتدي الكيباه”.

وأما وزيرة العدل كاتارينا بارلي قالت أن الحكومة ستتصدى بحزم لكل أشكال الاعتداء على الحياة اليهودية في ألمانيا، وكل من يهاجم أو يشتم يهوديات ويهود، أو يلطخ معابدهم أو مقابرهم ينبغي تقديمه للمحاسبة، وذكرت أنه “لا ينبغي أن يشعر اليهود بالخوف مجددا عندما يظهرون انتمائهم الديني في ألمانيا”. وأنهى بعض البرلمانيين خطاباتهم بعبارة

“مزال طوف، اسرائيل”  (حظاً سعيداً إسرائيل، بالعبرية).

في حين تركزت الخطابات على “معاداة السامية” والمظاهرات التضامنية مع اليهود، ولم يتم التطرق بتاتا إلى معاداة الفئات الأخرى وعلى رأسها الجالية الاسلامية التي تلقى رفضاً أكبر واعتدءات أكثر من قِبل الشرائح المتطرفة في المجتمع الآلماني، والتي يتم وضعها، ليس فقط في ألمانيا، بل وفي سائر الدول الأوروبية، في سلة الاسلام السياسي، رغم أن غالبيتهم الساحقة لا تنتمي له.  ولا أنكر أن الاسلام السياسي وارهابه دفع بهذا الإتجاه العنصري وصبّ في مصلحة اسرائيل.

في الحقيقة  لا يمكن الوقوف عند هذا الحدث واعتباره شيئاً عابراً، بل يجب ربطه بأبعاد أخرى. فقد جاء النقاش في البرلمان الألماني قبل ساعات على مغادرة المستشارة الألمانية إلى أميركا للقاء ترامب، الذي كان قد تعامل معها بإزدراء في لقائهم الأول، ورفض مصافحتها بعد انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك. وفي الأشهر الماضية  كان ترامب قد أعلن أنه سيرفع الجمارك على الواردات الأمريكية من الأتحاد الأوربي، والجميع يعرف أن ألمانيا ستكون المتضرر الأكبر من هذه الخطوة. ميركل تدرك جيدا أن اللوبي اليهودي هو الحليف الأكبر لترامب والداعم الشرس لسياسته، ومن هنا جاء الطرح البرلماني “بتبني” اسرائيل كمحاولة لإستمالة اللوبي اليهودي للضغط على ترامب بالتراجع عن مشروعه الجمركي، وبالتالي لتجنيب الإقتصاد الألماني من الخسائر التي ستلحقها سياسة ترامب الجمركية. الأمر الآخر من وراء استمالة اللوبي اليهودي يأتي لدعم المانيا في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، حيث عادت ألمانيا من جديد بطرح رغبتها في الحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن كسائر الدول الكبرى الخمس، وعبرت مرارا عن استعدادها وارادتها بلعب دور دولي وما أطلقت عليه “تحمل مسؤولية دولية”، ولا شك أن ميركل تدرج  دعم وحماية اسرائيل في هذا الإطار.

في مؤتمر صحفي تطرق ألكسندر غولاند، من قادة “الحزب البديل لأجل ألمانيا ” المتطرف، إلى العلاقات الخاصة بين برلين وتل أبيب، حيث أبدى اعترضه على السياسة المعلنة للمستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، التي تعتبر وجود إسرائيل جزءا من ما يسمى بـ”أولوية الدولة”  (Staatsräson).

وقال غولاند: “إذا كان وجود إسرائيل جزءا من مصلحة الدولة الألمانية، فعلينا أيضا أن نكون مستعدين لإرسال جنود ألمان للدفاع عن الدولة اليهودية”.  وأشار إلى أن هذه المسألة “إشكالية وصعبة”. مضيفا، “من الواضح أن وجود إسرائيل هو نقطة مهمة بالنسبة لنا، ولكن هل نجعلها من “مصلحة الدولة”… فهذا يبدو بسيطا جداً، ولكن إسرائيل تخوض حربا متواصلة، ولذا سيتعين علينا، في حال الالتزام بمنطق مصلحة الدولة، أن نكون على استعداد للتضحية بحياة جنودنا من أجل دولة إسرائيل”.

تتميّز حقبة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها الأكثر والأقوى دعما لإسرائيل، حيث أعاقت ميركيل دول الاتحاد الأوربي باستعمالها الفيتو من الاعتراف بدولة فلسطين، ورغم أن البرلمان الأوربي الذي كان مقررا له أن ينعقد في شتراسبورغ من أجل التصويت على مشروع القرار غير الملزم، إلا أن المستشارة الألمانية أبدت رفضها و تقرر تأجيل انعقاد الجلسات مما دفعت خطوتها هذه إلى تقوية الموقف الإسرائيلي والأمريكي الرافض لفكرة الإعتراف بالدولة الفلسطينية. وميركل هي التي اعترفت بيهودية الدولة الاسرائيلية قبل أن يصادق الكنيست على المشروع في عام 2012. وعارضت ألمانيا بزعامة ميركل مشروع القانون الذي اقترح فلسطين دولة غير عضو في هيئة الامم المتحدة، ولكنها فشلت في حمل الدول الأوربية إلى اتخاذ ذات الموقف، واعترضت على دخول فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، بل راحت تقود حربا دبلوماسية لصالح الموقف الأمريكي والاسرائيلي، لكنها فشلت في مساعيها.

إن صياغة علاقة ميركل مع اسرائيل كانت واحدة من أهدافها الثلاثة قبل وصولها عام 2005 إلى الحكم في ألمانيا، وتلقت اسرائيل أكبر المساعدات الحربية الألمانية في عهدها، حيث أمدتها بأحدث طراز لغواصة “الدولفين”، بالإضافة إلى صفقة أسلحة حربية متطورة بقيمة مليار أورو. أكثر من ذلك، ففي حين رفض البرلمان الألماني الاجتياح الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، قالت ميركل أن الإسرائيليين في حالة دفاع شرعي عن أنفسهم من الإرهاب.

___________

نزيه بريك

تعليقات

  1. بعد التحية ..يعني ممكن نصير مواطنين المان ؟ 😛 – مزحه .
    اسرائيل الولية “بدل ولاية ” ال 17 في المانيا وال 51 الامريكيه ..وحتى يمكن اعتبارها كونفدراليه مع روسيا .. الهون الدنيا والنا الاخره ههههههه هههه

التعليقات مغلقة.

+ -
.