اكتساب الطلاب المهارات يصطدم بالنظرة الاجتماعية وضعف المناهج

طرح أحد المعلمين المصريين خلال رده على ضرورة تعديل المناهج التعليمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمكين الطلاب والمعلمين من اكتساب «المهارات» الحياتية والتقنية، مثلاً بالغ الدلالة على واقع التعليم في العالم العربي.

قال المعلم إن إحدى مدارس مصر الرسمية، قررت استنساخ تجربة أعدتها إحدى المدارس الخاصة لطلابها والتي تقضي بتعلم «فن الإتيكيت» بعد الساعات الدراسية. ولكن أولياء أمور الطلاب في المدرسة الرسمية قاموا بتسجيل شكوى بحق المدير الذي قرر استنساخ هذه التجربة نظراً إلى أنها تحتجز الطلاب بعد ساعات الدوام، إضافة إلى أنها لا تعلمهم قيماً «مفيدة»، الأمر الذي أدى إلى إلغاء هذا البرنامج.

هذا المثل يشكل مقدمة للنظرة الاجتماعية العامة تجاه واقع التعليم في العالم العربي، إذ لا تزال ثقافة اكتساب المهارات الفردية بعيدة من إدراك معظم المجتمعات والمناهج الدراسية العربية.

وجاء هذا المثل في مؤتمر المجلس الثقافي البريطاني لإطلاق برنامج «ربط الصفوف» الذي نظم ندوات وتدريبات للمعلمين ومديري المدارس تحت عنوان عام حمل اسم «التعليم للجميع، جودة إنصاف، تعلّم مدى الحياة»، بالمشاركة مع «وزارة التنمية الدولية البريطانية».

ويهدف هذا البرنامج إلى المساهمة في الوصول إلى التنمية المستدامة لضمان تعليم جيد للجميع، وسيؤمن البرنامج الذي يمتد من العام 2015 حتى العام 2018، فرص الحصول على موارد عالية الجودة لـ 3500 مدرسة في مصر والمغرب والأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان والعراق والأردن واليمن.

ولا يعتبر هذا المشروع الأول من نوعه، إذ بُنيت المرحلة الثانية من المشروع على نجاح المرحلة السابقة التي امتدت من العام 2012 الى العام 2015، والتي مكّنت 28 ألف معلم يتوزعون على 900 مدرسة من المنطقة، من الاستفادة من تدريب حول التنمية المهنية.

واستهلت مديرة المجلس الثقافي البريطاني في لبنان دونا ماكوغان الندوة بكلمة ركزت على النتائج المتوقعة للمرحلة الثانية من البرنامج. وقالت إن «المرحلة الثانية من البرنامج ستزوّد أكثر من مليوني شخص في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمهارات متنامية وقدرة على فهم خصائص العيش والعمل في اقتصاد عالمي»، إضافة إلى «تعزيز القدرة على المساهمة في شكل مسؤول في المجتمع المحلي».

وشدّدت على أهمية الشراكة مع المؤسسات الرسمية المعنية وصنّاع السياسات التعليمية الأمر الذي يساهم في تطوير النماذج التعليمية والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الطلاب، ما يحقق هدف هذا البرنامج وبرامج اخرى يقوم بها المجلس في هذه البلدان.

إلى ذلك، أثنى وزير التربية والتعليم في لبنان الياس أبو صعب على البرنامج معتبراً أن نجاحه هو استمرار لنجاح المجلس، لافتاً إلى أن الواقع التعليمي في لبنان يشهد أزمة كبرى تعتبر من «أسوأ الأزمات التي شهدها لبنان، إذ لا نستطيع استيعاب هذا العدد من الطلاب وخصوصاً مع الارتفاع المتزايد في عدد اللاجئين السوريين». مضيفاً أن «النزوح أكبر من طاقة لبنان الاستيعابية، ولكن التفكير الخلاّق هو الحل»، مع تشديده على أحقية كل طالب بالدخول إلى المدرسة. ولمّح أبو صعب إلى الإضرابات التي تطاول قطاع التعليم قائلاً إنها «ستجعل المدارس الرسمية تعاني أمام المدارس الخاصة»، داعياً الأساتذة إلى «الانتباه من هذا الأمر».

من جهة أخرى قال السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر إن «اكثر من مئة ألف طفل سوري ولبناني يستفيدون من البرامج التعليمية الممولة من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن وجود برامج مماثلة في لبنان دليل على «الدعم والالتزام تجاه لبنان».

وأشار رئيس شؤون المدارس في المجلس الثقافي مارك هربرت إلى أن «كل دول العالم تحتاج إلى مدارس وتعليم دامج لتطوير المهارات للتأقلم مع العالم المعولم»، لافتاً إلى أن المدارس في المنطقة تواجه ثلاثة تحديات رئيسة متمثلة بعدم قدرة وصول جميع الطلاب إلى التعلم نتيجة النزاعات الدائرة في المنطقة، أو نتيجة عدم السماح للفتيات بالتعلم». وأضاف أن إحصاءات العام الفائت بيّنت أن طفلاً من كل ثلاثة أطفال في دول منخفضة الدخل، لم يكمل تعليمه.

المشكلة الثانية والثالثة برأي هربرت تكمن في جودة التعليم، والفجوة الهائلة في المهارات، إذ خلصت نتائج الأبحاث إلى أن 10 في المئة من الشركات في العالم قالت إنها تتمتع بالمهارات المطلوبة بين العاملين فيها.

ولكن ما هي هذه المهارات المقصود دمجها في الأنظمة التعليمية؟ هذا السؤال الذي أجاب عنه كلّ من المدير العام لوزارة التربية في لبنان فادي يرق ومدير المناهج في وزارة التعليم المغربية وكبار مديري برنامج التعليم الميداني في «أونروا» الأردن جهاد حمدان والمدير التنفيذي لمصرف «إتش أس بي سي» في الشرق الأوسط بيتر ييتس.

وخلص الحاضرون إلى أن أبرز المهارات التي يجب أن يتسلح بها الطلاب في هذا الوقت تتمثل بالمهارات الحياتية التي يكتسبها الطالب لجعل حياته واندماجه أسهل، إضافة إلى مهارات التواصل واحترام الآخر، والتفكير النقدي والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التعاون والتنسيق، ومفاهيم المواطنة والمعرفة الرقمية والقيادة والتصوير النفسي. واتفق الحاضرون على أن هذه المهارات ليست مستقلة عن التعليم، بل مكملة له.

وتبرز المشكلة الرئيسة بعد تعداد هذه المهارات، فاعتماد المناهج التعليمية في شكل عام على نظام الامتحانات والتقييم يُلغي القدرة على اكتساب هذه المهارات ويقلّل من الاهتمام بها، الأمر الذي يتطلب تغييراً في وجهة نظر المجتمع بأسره إلى نظرته إلى المدرسة ودورها.

وبرزت هذه الفوارق في الأنظمة التعليمية عند السؤال الذي وُجه إلى ييتس بوصفه ممثلاً عن القطاع الخاص، إذ أجاب حين سُئل عن المواصفات التي يبحثون عنها في المتقدمين للوظائف في المصرف أن «المؤسسات الخاصة عموماً تبحث في المرشحين عن مواصفات إضافية للمؤهلات التعليمية والمهارات التقنية». موضحاً أنه «في عالم المصارف نبحث عن القيادة، والطموح والقدرة على التحفيز وحل المشكلات، إضافة إلى الإبداع والاستدامة. وقد ظهر جلياً في سياق النقاش ومن خلال آراء بعض المعلمين الذين التقتهم «الحياة» لاستطلاع آراءهم بالندوة، «عجز» المناهج التعليمية الحالية في معظم البلدان المذكورة عن مواكبة هذه المهارات الجديدة»، إضافة إلى عجز عدد لا يستهان به من المعلمين وأولياء الأمور عن تقبل الوجهة الجديدة في التعليم والتركيز على اكتساب المهارات المطلوبة.

+ -
.