الأزمة الإقتصادية في الجولان

حماده ابراهيم

 

حماده ابراهيم
حماده ابراهيم – مدقق حسابات

عندما نسأل عن أزمة اقتصادية وعن عواملها ومسبباتها، علينا أولا الإقرار أنه من غير الممكن التطرق لجميع النقاط من خلال مقالة واحدة أو حتى مجموعة مقالات، وإنما تسليط الضوء على عادات ومسببات من شأنها خلق ذهنية سليمة لحياة اقتصادية أفضل.

من الضروري أن نعرف أيضاً بأنه لا توجد حلول سحرية للأزمات الاقتصادية، وحتى بوجود الحلول، فغالباً تكون مركبة ومرتبطة بعوامل وجهات عديدة، من شأنها جعل الحلول غير كاملة، أو حتى غير قابلة للتنفيذ.

ولكن بالوقت نفسه هناك دائماً إمكانية لإيجاد الطريق السليمة بأقل الخسائر، الذي يجعلنا نتعامل مع الأزمات من حولنا بوعي أكبر وخبرة أطول.

*المسببات

مسببات الأزمة الاقتصادية تكاد لا تعد ولا تحصى، ولكن يمكن أن تقسّم من حيث التصنيف إلى نوعين:

1) أزمة عامة.

2) أزمة محلية.

الأزمة العامة، أو العالمية، هي أزمة ليس بمقدورنا تغيير معطياتها، ولسنا بصدد الحديث عنها بهذا المقال.

الأزمة المحلية، وهي موضوع نقاشنا الأساسي، وبالرغم من الاعتقاد بأنها أبسط من سابقتها، إلا أنها مركبة ومتشعبة، والنقاط التي سيتم طرحها هي بحسب اعتقادي جزء من المسببات، وليست بالضرورة المسببات كلها.

النقطة الأساسية برأيي، وهي مربط الفرس، هي التربية الاقتصادية.. نعم، باعتقادي لسنا بحاجة إلى خبير كي يخبرنا بأن التعداد السكاني في الجولان لا يتعدى العشرين ألف نسمة، وأن هذا العدد من السكان، ببعده الجغرافي عن مراكز سكنية ومدنية أخرى، غير قادر على إيجاد فرص عمل محلية لا متناهية لأبناء المنطقة، وربما حلّ هذه النقطة مرتبط بمؤسسات، لست واثقا تماماً بأن همّها الأول هو مصالح أهل الجولان، لذا فالنقطة المفصلية هي وعينا الاقتصادي، أو كما أسميته: التربية الاقتصادية.

ولكي أكون أكثر وضوحاً وواقعية، عليّ تبسيط مصطلح التربية الاقتصادية. فمنذ طفولتنا وجميع من حولنا يحاولون تعليمنا مهارات عديدة، بدءا من الكلام والمشي والنقاش، وبعدها في المدرسة فنون الرياضيات والرسم والموسيقى وإلى ما هنالك.. متى سمعتم عن أب يعلم ابنه مهارات اقتصادية؟ ما هو الربح وكيف يبيع ويشتري؟ (لجميع الذين جاوبوا أنفسهم بأنهم فعلوا، فأنا أتوقع بأنهم على الأقل ليسوا ممن تخنقهم الأزمة الاقتصادية). هل رأيتم مدارسنا تبدي اهتماماً بتعليم هذه الأسس؟ والجواب بحسب اعتقادي هو لا.

كيف يستطيع صاحب مصلحة النجاح بمصلحته عندما يقدم على إقامتها بدون دراسة دقيقة وموضوعية

كيف ينجح إذا كان بحاجة إلى عامين على الأقل لكي يتعلم كيف يتعامل مع البنوك؟

كيف ينجح إذا كان غير مدرك ما هي حقوقه وواجباته الضريبية، وكم ممكن أن تؤثر هذه المعلومات على قراراته؟

كل هذا وأكثر من شأنه أن يوضح كم تنقصنا التربية الاقتصادية.

إحدى أهم النقاط التي أسمعها مؤخراً، والتي تدل على حاجتنا للوعي الاقتصادي، هي كثرة شكوى المحال التجارية في الجولان من المنافسين من الخارج، إن كانوا أصحاب مصالح متنقلين، أو سوق أسبوعي، أو حتى مؤسسات تجارية كبيرة أتت مؤخراً.

أولاً أنا أؤمن بحرية الاختيار والمنافسة الشريفة، لذا لن أطالب بطرد أو مقاطعة هؤلاء، ولكن بنفس الوقت اؤمن بأن المصالح يجب أن تكون متبادلة. فمثلا عندما أنفق نقودي في مصلحة محلية، حتى ولو بسعر أغلى قليلا، فبالتالي هذه المصلحة ستنفق نقودها عندي. المبدأ بسيط: “أفضل أن أنفع زبائني عن غيرهم وهكذا هم يفعلون”.

ثانياً، وهذه الكلمة موجهة لأصحاب المحلات، إذا كان الغريب منتفع وقادر على فتح محل تجاري ضخم لأهل المنطقة، برغم بعده عن المنطقة، فلماذا انتم لا سطيعون!! إذاً أعود وأكرر بأن الحل هو ارتقاؤنا لفكر اقتصادي أنقى وأذكى، يحاكي كل ما يتغير من حولنا.

النقطة الأخرى هي إدراكنا لمصروفاتنا، وهي أيضا تصب في الوعي الاقتصادي.

التطورات من حولنا جعلت مصاريفنا تزداد يوماً بعد يوم. فبالمقارنة مع وضعنا قبل عشرة أعوام، لكل منا ازداد مصروف الهاتف والانترنت والكوابل، ولغالبيتنا السيارة أيضًاً. افحصوا أنفسكم. مصاريف أكلكم وشربكم لم تتغير تقريباً، وإنما تفاصيل حياتية جديدة ما عدنا قادرين على العيش بدونها.

لا أقول بأن هذا خطأ، ولكن عندما يكون عن عجز، وفقط لأن جاري لديه، فأنا أيضا أستطيع… نكون قد وقعنا مجددا في شرك جهلنا الاقتصادي.

______

* حمادة ابراهيم: مدقق حسابات

+ -
.