الجينات الوراثية سر الحياة والتنوع

كانت البدايات الأولى لعلم الوراثة مجرد هواية لواحد من الطلبة الملتحقين بأحد الأديرة في منطقة مورافيا بالنمسا آنذاك، والذي أصبح في ما بعد من ألمع علماء الوراثة.

مارس غريغور يوهان منديل تجاربه في بساتين دير القديس توماس -الذي كان مركزا علميا بالإضافة إلى كونه مركزا دينيا- على نباتات البازلاء لمعرفة من أين تأتي الصفات لتلك النبتة التي تميل إلى التلقيح الذاتي من حبوب اللقاح التي تنتقل من زهرة إلى أخرى.

 

تلك البدايات التي حاولت فك لغز الحيرة الإنسانية القديمة حول التشابه والاختلاف في البشر والكائنات الحية على الرغم من أن أساس التكون الأولي لها جميعا هي خلايا التكاثر، والتي تكاد تتشابه في الشكل والمحتوى، لكنها تنتج ملايين الأنواع من الكائنات الحية بمختلف الأحجام والأشكال والألوان.

 

لقد كان شكّ علماء الأحياء يدور حول الحامض النووي (DNA) الموجود في نواة الخلية الحية، والذي تم اكتشافه عام 1869 على يد الطبيب السويسري فريدرك ميشر، حيث كانوا يعتقدون أنه المسؤول عن نقل الصفات الوراثية من جيل إلى جيل في الكائنات الحية.

 

وظلت حالة الشك وعدم اليقين حتى حلول عام 1953، حيث تمكن عالما الأحياء فرانسيس كريك وجيمس واطسون باستخدام الأشعة السينية من كشف تركيب الحامض النووي الحاوي لمواصفات أجسام الكائنات الحية والمكتوبة بطريقة رقمية على شريط طويل ودقيق من الحامض النووي مخزن في نواة الخلية، وهو من الصغر بحيث لا يمكن رؤيته إلا بأجهزة دقيقة ومتطورة.

 

وقد تم منحهما جائزة نوبل عام 1962 تقديرا لجهودهما في ذلك الاكتشاف الذي غيّر اتجاه العلماء نحو سؤال آخر عن كيفية انتقال المعلومات الوراثية داخل الخلية الحية.

 

ومنذ تلك الفترة التي اكتشف العلماء فيها الجينات أو ما يطلق علية “المورثات” التي تحتفظ بتشفير المعلومات المهمة للوظائف الحية، والعلماء مستمرون في رسم الخرائط الجينية للكائنات الحية.

 

والجينات هي الخرائط الأساسية للخلايا الحية التي تبني الأحماض النووية الحية للـ”دي إن أي”، ويتكون من وحدات بنائية أصغر تسمى النيوكلوتيدات (الوحدة البنائية للحمض النووي).

 

وبعبارة أخرى، فإن الجينات هي المخزن الأساسي للمعلومات الوراثية لكل الكائنات الحية, وتحمل الجينات المعلومات اللازمة لبناء الخلايا والحفاظ عليها والقيام بكافة الوظائف الحيوية في بناء أجسام الكائنات الحية، وإعطائها الصفات المميزة للكائن الحي. ويعتبر الجين وحدة بناء الأحماض النووية (دي إن أي).

وتنتقل المادة الوراثية من جيل لآخر خلال عملية التكاثر، بحيث يكتسب كل فرد جديد نصف مورثاته من أحد والديه والنصف الآخر من الوالد الآخر.

 

فك الشفرة

على الرغم مما ﺗﺜﻴره دراسات وأبحاث الجينوم البشري من ﻋﻘﺒﺎت ﺑﻴوﻟوجية وأخلاقية ﺗتطلب أقصى المعايير العلمية والأخلاقية، فقد استغرقت دراسة أول سلسلة جينيوم بشري 15 عاما، وشارك في هذا المشروع أكثر من 18 دولة وبكلفة تجاوزت ثلاثة مليارات دولار.

ومثّل ذلك أول مشروع لفك شفرة الجينات (ما يقرب من ثلاثين ألف جين بشري مختلف) من حيث تحديد أماكنها وترتيب النيكلوتيدات المكونة لها وتخزين تلك المعلومات في قواعد البيانات. ولنا أن نتصور حجم المعلومات الوراثية التي تتطلب نحو تسع سنوات ونصف السنة لقراءتها، ولذلك يعتبر هذا المشروع بمثابة خريطة تمكّن العلماء من البحث عن الجينات ومعرفة كافة المعلومات عنها.

 

ويتميز مشروع الجينوم بثلاثة أرقام أولها الرقم ٢٤، وهذا هو العدد المضبوط للطُّرُز اﻟﻤﺨتلفة من الكروموزومات في الإنسان الطبيعي.

والثاني هو الرقم ثلاثة مليارات، ويمثل تقديرا للعدد الكلي من أزواج القواعد في تتابع “دي إن أي” الإنسان -ولقد كان في الأصل تخمينا لكنه اتضح من البحوث العلمية أنه حقيقة- عن كل الجينات التي نمتلكها (ويتراوح عددها ما بين خمسين ومائة ألف جين) تُسهم هذه الجينات في وجود ذلك العدد الهائل من الخصائص البشرية.

+ -
.