الحاسوب.. من الأنابيب المفرغة إلى الحوسبة الكمية

ساهم التطور الكبير الذي شهدته صناعة الحواسيب خلال العقود الأخيرة بتحويلها من آلات ضخمة بقدرات معالجة محدودة إلى أجهزة عصرية صغيرة الحجم، اقتناؤها أساسي ومتاح لمعظم البشر على وجه الأرض.

ويرجع تاريخ أول حاسوب إلكتروني قابل للبرمجة في العالم إلى عام 1943، عندما طور البريطانيون الحاسوب “كولوسوس”، وهو حاسب كبير الحجم، تم بناء عشر نسخ منه لفك تشفير الآلاف من رسائل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

وتم تطوير “كولوسوس” اعتماداً على تقنيات اندثرت وفقاً لمعايير بناء الحاسوب العصري، حيث تم تزويده بآلاف الأنابيب المفرغة التي تضم لفائف متوهجة، وقد كان “كولوسوس” قابلا للبرمجة، حيث يمكن للعامل تغيير البرامج عبر تبديل أماكن مقابس خاصة.

فمع بدايات عصر الحاسوب، تم استخدام الأنابيب المفرغة ضمن الحواسيب، لكنها لم تثبت موثوقية نظرا لأحجامها الكبيرة وبثها حرارة عالية تتسبب باحتراقها بعد فترة من الاستخدام، ليتم الانتقال في ستينيات القرن الماضي إلى تقنية الترانزستور التي حققت ثورة في صناعة الحواسيب، كما ساعدت على ابتكار الدارات المتكاملة.
الحوسبة الكمية
وتشهد تقنيات الحوسبة ومعمارياتها تطورا متسارعا، الأمر الذي أدى إلى ظهور مفهوم “الحوسبة الكمية” التي تَعِد بسرعات معالجة بيانات عالية لا يمكن تحقيقها وفقاً لمعايير الحوسبة المعروفة هذه الأيام.

وتعتمد الحوسبة الكمية على مبدأ “التشابك الكمي”، أحد مبادئ ميكانيكا الكم، والذي يسمح بمعالجة البيانات المتنوعة في الوقت نفسه، ليجلب سرعة عالية في المعالجة مقارنة مع تقنيات الحوسبة التقليدية.

ويتم ربط الحواسيب الكمية في هذه الأيام بتقنيات المراقبة، فعلى سبيل المثال، يمكن لها أن تتعرف بشكل آني على صورة لوجه أحد الأشخاص من داخل قاعدة بيانات تضم مليارات الصور، كما يمكن لها أن تحاكي التفاعلات الكيميائية المعقدة، وأن تكسر تشفير أقوى الأنظمة المتوفرة، على غرار الأنظمة الحكومية والاقتصادية الدولية.

وبمقدور الحواسيب الكمية خلال فترة قد لا تتعدى بضعة أيام، حل المسائل المعقدة التي يتطلب حلها ملايين السنين باستخدام الحواسيب التقليدية، وحديثاً، بدأت مفاهيم الحوسبة الكمية بالانتقال من شكلها النظري لتصبح أمرا واقعا عبر تطوير شرائح حاسوبية تعتمد تقنيات الحوسبة الكمية.
خطوة أولى
وما تزال صناعة الحوسبة الكمية في بدايتها، ففي أبريل/نيسان الماضي أعلنت شركة “آي بي أم” الأميركية عن شريحة صغيرة الحجم، تعتمد مبادئ الحوسبة الكمية، يمكن اعتبارها خطوة أولى نحو بناء حاسوب كمي متكامل.

لكن الحوسبة الكمية تعاني من حساسيتها العالية للعوامل المحيطة مثل تغيرات الحرارة، والتي قد تؤدي إلى إصدار نتائج خاطئة، لذلك تركز العديد من الأبحاث المتعلقة بالحواسيب الكمية على كيفية تحسين قدرتها على كشف الأخطاء والتعامل معها.

ومن المفترض أن يؤدي تطوير بروتوكول قادر على التعامل مع مختلف الأخطاء في الوقت ذاته إلى تحقيق نقلات نوعية في صناعة الحوسبة الكمية، وفقا لأستاذ الفيزياء في جامعة ميريلاند، ستيف رولستون.

وقد بلغ السباق نحو بناء حواسيب كمية متكاملة أشده في السنوات القليلة الماضية، وتحديدا عام 2013، عندما اشترت شركة غوغل الأميركية حاسوبا كميا من شركة دي وايف الكندية، ثم أعلنت في مارس/آذار الماضي عن نجاحها ببناء شريحة بتسعة كيوبتات قادرة على التعامل مع أخطاء الحوسبة الكمية. (كيوبت هو حدة قياس المعلومات الكمية).

وفي يونيو/حزيران المنصرم، أعلنت “دي وايف” بأنها تخطت عتبة ألف كيوبت، لتكون بذلك قد جلبت سرعة معالجة لم يسبق لأي حاسوب كمي سابق الوصول إليها.

وفي الواقع، فإن الحوسبة الكمية ما تزال في بداياتها، فكما شكلت تقنيات الأنابيب المفرغة بداية للحواسيب القابلة للبرمجة، فإن الحوسبة الكمية في وضعها الراهن تحتاج إلى كثير من الجهود لتكون قادرة على نقل مفهوم الحوسبة إلى آفاق تجعل الحواسيب التقليدية الحالية وكأنها قادمة من العصر الحجري.

+ -
.