الحج إلى الموناليزا "قدس الله سرها

لم يزر الزوجان خلال رحلتهما الماضية إلى باريس متحف اللوفر، لذا كان المتحف وجهتهما الرئيسية، وكانت “الموناليزا” هدفهما الأول. ولكي لا تتكرر غلطة الرحلة الماضية، حيث نفذت التذاكر إلى المتحف في اليوم المنشود، قام الزوجان هذه المرة بشراء تذكرتين عبر الانترنت قبل الرحلة بعدة أيام.

في اليوم التالي لوصولهما إلى باريس قرر الزوجان الخروج مبكراً من فندق “إيبيس” الواقع على شارع “بيير لاشيز”، وذلك للوصول قبل الساعة التاسعة صباحاً، موعد فتح متحف اللوفر أبوابه لاستقبال الزوار، فركبا الباص رقم 69 الذي يمر بعدد من المحطات السياحية الرئيسية في باريس، بدءاً من ساحة الباستيل، مروراً بساحة الكونكورد وحدائق التويليري ومتحف اللوفر وكاتدرائية نوتردام، وصولا حتى برج إيفل.

لقد بني متحف اللوفر في العام 1190 كمقر للحاكم، لكنه تحول إلى متحف في العام 1793 بأمر من الملك لويس الخامس عشر، فأصبح أكبر وأشهر متاحف العالم، إذ تبلغ مساحة قاعات العرض فيه 60,000 متر مربع، يعرض فيها 35,000 عمل فني، ويزوره سنوياً 8 مليون سائح، كلهم يرغبون في مشاهدة “الموناليزا” والتقاط الصور بجانبها، إثباتاً دامغاً على زيارتهم للمتحف. يعني إذا لم ترَ الموناليزا ف “كأنك يا بوزيد ما غزيت”، وكأن ال 34,999 لوحة الأخرى لا قيمة لها.

وبما أن مشاهدة جميع الأعمال في المتحف هي ضرب من الخيال، قرر الزوجان مسبقاً إعداد قائمة بالأعمال الفنية المهمة التي بإمكانهما مشاهدتها خلال يوم واحد.

محطتهم الأولى في الطريق إلى الموناليزا كانت لوحة “عرس قانا” (Les Noses de Cana)، وهي لوحة عملاقة تغطي الحائط، رسمها الفنان باولو فيرونيزي، يصور فيها عرس قانا الجليل الذي شهد أولى معجزات يسوع المسيح، حيث وفقاً للإنجيل قام المسيح بتحويل الماء إلى نبيذ خلال مناسبة الزواج تلك بعد أن نفذ النبيذ.

المحطة الثانية كانت تمثال “فينوس”، أو افروديتا آلهة الجمال، ثم لوحة حفل تتويج نابليون امبراطوراً للفنان جاك لوي، فلوحة “الحرية تقود الشعب” (La Liberté guidant le peuple) وهي لوحة زيتية ليوجين ديلاكروا رسمها إحياءً لذكرى ثورة يوليو الفرنسية للإطاحة بالملك شارل العاشر وإعادة الجمهورية الفرنسية. تجسد اللوحة إلهة الحرية كامرأة حاملة لراية الثورة، التي تحمل العلم الفرنسي بيد وبندقية باليد الأخرى وتقود الشعب إلى الإمام على جثث الذين سقطوا.

وفي الطريق إلى الموناليزا مر الزوجان بقسم الشرق الأوسط، الذي يعرض مئات المقتنيات التي استحوذ عليها الفرنسيون خلال غزو نابليون لمصر وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى في سوريا ولبنان والعراق. وكسوريين لفتت نظرهما قطع أثرية مهمة تم أخذها من وأوغاريت في رأس شمرا وأماكن أخرى مز سوريا.

قال الزوج: “نهبوا آثارنا ونأتي إلى باريس لكي نراها”.

أجابت الزوجة: “أن يأخذوها وتبقى سالمة تخبر العالم عن حضارتنا أفضل ألف مرة من أن تقع بيد داعش فيفجرها”. فصمت الزوج وتابعا مسيرتهما في أروقة المعرض، مشاهدين العشرات من الأعمال الفنية والقطع الأثرية، صعوداً إلى الطابق الرابع حيث نقلت الموناليزا مؤقتاً بسبب أعمال الترميم التي تقوم بها إدارة المتحف، تحضيراً للاحتفاء الذي سيقام العام القادم بصاحب الموناليزا ليوناردو دفنشي.

وكان الزوجان قد اصطفا في خط طويل امتد من الطابق الأول حتى الرابع، ملتفاً بين القاعات وعلى الدرج لعشرات الأمتار. وبعد طول انتظار دخل الزوجان القاعة التي عرضت فيها الموناليزا، واقترب الصف ببطء من اللوحة، حيث كان كل من الزائرين يتحايل على الحارس في المكان للاقتراب أكثر من اللوحة، أو التقاط أكثر من صورة، وكان الحارس يجاهد عبثاً لتنظيم الصف وحث الزائرين على التقدم لكي يفسحوا المجال للآخرين، إلى أن حانت اللحظة ووصل الزوجان إلى أقرب مكان من اللوحة يمكن الوصول إليه، وهو على بعد قرابة عشرة أمتار منها، فبدت لوحة صغيرة لا تتجاوز أبعادها ال 77 سم على 53 سم، رسمها الفنان ليوناردو دافنشي نزولاً عند رغبة التاجر الإيطالي الثري فرانشيسكو ديل جيوكوندو بتصوير زوجته ليزا جيكوندو، ويعتقد أن ما يميز اللوحة هو ابتسامتها وشعور الناظر إليها من أي مكان وكأنها تنظر إليه.

لم يكد الزوجان ينظرا إلى اللوحة ويلتقطا صورة حتى بادر الحارس بالطلب منهما بمتابعة السير وعدم تعطيل الصف.

خرج الزوجان منزعجين، فبعد هذه المشقة والانتظار الطويل لم تتح لهما فرصة التمعن بالموناليزا وأخذ الوقت الكافي للتمتع بها.. ولكنهما كانا بغاية السرور لأنه أصبح بإمكانهما القول الآن أنهما شاهدا الموناليزا وإثبات ذلك بالصورة التي التقطاها وتظهر بها الموناليزا بعيدا في الخلفية.. إنها الموناليزا.. “قدس الله سرها”.

+ -
.