القيصر والسلطان… يجمعهما انتقاد اوروبا وتفرقهما سورية

حظي اللقاء الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في العاصمة التركية انقرة اوائل كانون الاول (ديسمبر) الجاري، باهتمام اعلامي اقليمي ودولي كبير، لا يمكن عدم ملاحظته، فبعد مرور اكثر من اسبوعين على الزيارة التي قام بها بوتين لتركيا، ما زالت الزيارة تبدو حديث الساعة، اذ ينظر اليها على انها وضعت العلاقات التركية- الروسية تحت المجهر بكل تفاصيلها، ولا يخفى ان احد اهم أسباب هذا الاهتمام مرتبط الى حد كبير بالكاريزما التي يتمتع بها كلا الرئيسين.
وفي ضوء زيارة بوتين تلك، لا يمكن تجاهل الكثير من أوجه الشبه بين زعيمي البلدين، الشخصيتين المثيريتين للجدل في الكثير من الأحيان.
يحكم الرجلان دولتين قويتين على الحدود الشرقية لأوروبا، وكلاهما يناهز الستين من العمر، وكلاهما في السلطة منذ زمن طويل، بوتين منذ العام 1999، وأردوغان منذ العام 2002، كما يتمتع الرجلان بنفوذ واسع في بلديهما، وبوتين اعاد الى موسكو هيبتها على الساحة الدولية بعدما فقدتها بانهيار الاتحاد السوفياتي، والثاني جعل اقتصاد تركيا السادس اوروبياً، والسادس عشر على مستوى العالم لجهة الازدهار والتأثير.
ولا يكاد يمر أسبوع حتى ينتقد الرجلان أميركا وأوروبا، لكن العلاقة لم تسُؤْ بينهما وبين الغرب على الدوام، ولم تصل الى حد القطيعة، فقد تحالف بوتين مع جورج بوش بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، في حين عرضت أميركا الشراكة الاستراتيجية على روسيا، كما اظهر أردوغان في بداية حكمه، أنه يريد العمل على تقريب دولته من الدول الأوروبية.
وتعرض كلاهما للاحتجاجات، فواجه بوتين احتجاجات في عام 2011-2012، كما واجه أردوغان في عام 2013 احتجاجات أيضاً، وكذلك من أهم الخصائص المشتركة بينهما أن أفكار كل منهما حافلة بنظريات المؤامرة، والاثنان يحتفظان بقاعدة شعبية كبيرة في الداخل على رغم الاتهامات التي توجه اليهما بالتسلط، ويربط الاثنان المعارضة لهما بأجندات الدول الغربية، وكلاهما وجد في توجيه الخطابات المناهضة للغرب وسيلة سهلة للاستفادة داخلياً، وكلاهما يعتبر ان الغرب خدعه.
وميراث البلدين التاريخي غني بالألقاب التي يحلو لمؤيدي الرجلين ومعارضيهما اطلاقها، أردوغان “السلطان”، وبوتين “القيصر”، وكلاهما لديه الكثير من الطموح، مع المزيد من عدم الراحة من اوروبا، وكلاهما لا يتردد في فهم الجغرافيا السياسية. فبوتين يدرك أن أي زعيم روسي يجب ان يوفر مناطق عازلة لروسيا في أوروبا الشرقية والقوقاز، وأردوغان يدرك ان تركيا يجب ان تصبح قوة مهمة في الشرق الأوسط من أجل كسب النفوذ في أوروبا.
وعلى رغم كل هذا التشابه، إلا أن هناك فروقاً بينهما، فهما مختلفان تماماً في الشأن السوري، فحين كان أردوغان يسعى إلى تغيير النظام في دمشق كان بوتين في الاتجاه المعاكس من ذلك، واكتفى أردوغان بالتنديد بضم روسيا الى القرم، وذلك بسبب ازدياد العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأنقرة، اذ إن تركيا تؤمّن 60 في المئة من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه من روسيا.
وتمتلك روسيا الغاز الطبيعي بالإضافة إلى السلاح النووي، ويرى بوتين أن ضمان الناتو حماية تركيا يشكل تهديداً بالنسبة اليه. أما أردوغان فيختلف عن بوتين في أنه لا يهدد الغرب.
وكانت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية نشرت قبل اشهر مقارنة مثيرة بين بوتين وأردوغان، وأبرز ما جاء فيها، ان ثمة رجلين عصبيين يحكمان دولتين قويتين على حدود اوروبا، ولا يمكن غض الطرف عنهما، وكل منهما يمزج في خطابه بين القومية والتيار المحافظ المناهض لليبرالية، وكلاهما يضغط على المعارضة، أردوغان يرى نفسه حامي المسلمين في الشرق الاوسط، وبوتين يستخدم الكنيسة الارثوذكسية لتأجيج المشاعر القومية وفرض النفوذ الروسي على الدول السلافية.
ويبقى القول إن بوتين يحظى بنظام رئاسي روسي قوي ومستمر، أما أردوغان فيطمح الى تحويل النظام في بلاده الى رئاسي، فتركيا تتمتع بتاريخ لأحزاب متعددة مقارنة بروسيا، والمجتمع المدني في تركيا أقوى منه في روسيا، ويمكن اضافة ان انخفاص أسعار النفط الحالي، يضعف بوتين ويريح أردوغان.

+ -
.