اللعب علاج الطفل الخائف … يوسّع خياله ويكشف مواهبه

PixaBay
PixaBay

اللعب غريزة طبيعية عند الطفل لأنه يمنحه منافع جسدية ونفسية وينمّي مهاراته العقلية والانفعالية والحسية واللغوية والمعرفية والاجتماعية، إضافة إلى كونه وسيلة استمتاعية واستكشافية يطل الطفل من خلالها على العالم المحيط به، ويشكل فرصة للتعبير والحركة واكتساب الخبرة وصرف الطاقة الزائدة وتكوين الشخصية. وكثيراً ما يكون اللعب بوابة لمعرفة احتياجات الطفل وربما الكشف المبكر عن هواياته، ما يفسح المجال لتنميتها وصقلها.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أهمية القيمة العلاجية للعب في تبديد بعض مخاوف الطفل وتوتراته النفسية. وكان العالم سيغموند فرويد سبّاقاً في استعمال اللعب كطريقة للعلاج النفسي فطبقه للمرة الأولى مع ابن صديق له كان يخاف الخيول، إذ طلب منه فرويد أن يقوم بتمثيل دور الخيل في ألعابه التقليدية، وبعد جلسات معدودة تبددت مخاوف الابن وأصبحت الأحصنة الصديق الصدوق له.

إن اللعب هو اللغة الأولى للطفل، إذ يشكل الحوار القائم بين الطفل ولعبته قناة رئيسة للتواصل معه وبناء علاقة قوية تمكّن من فهمه بطريقة أفضل، وكذلك في الحصول على معلومات مهمة تتعلق بمشاعره وأفكاره ودوافعه وهمومه. كما يعد اللعب أسلوباً علاجياً جيداً للأطفال الذين يعانون من اضطرابات انفعالية ومن مشاكل سلوكية.

ويساعد اللعب العلاجي الطفل في التعبير عن انفعالاته ومخاوفه وفي تفريغ رغباته المكبوتة والضغوطات التي يتعرض لها ونقلها من عالمه الداخلي إلى الخارج، ما يسمح برسم صورة واضحة عن المشكلة التي يعاني منها وتسهيل التعامل معها وإيجاد حل لها.

واللعب العلاجي هو أحدى وسائل العلاج النفسي التي يستخدمها المختص مع الطفل من أجل تنمية مهاراته وتأمين التواصل معه للغوص في أفكاره ومشاعره من أجل تحقيق غايات نفسية وعاطفية وسلوكية ومعرفية تمكن من إحداث تغييرات إيجابية تتعلق بسلوك الطفل وأفكاره إلى جانب تنمية قدراته العقلية.

وهناك نوعان من اللعب العلاجي: اللعب الحر واللعب الإرشادي. ويتم اللجوء في كثير من الأحيان إلى اللعب الحر، أي من دون توجيه من الكبار، لأنه يعطي الطفل الحرية الكاملة في اختيار اللعبة التي يريدها والتي يعبّر من خلالها عن مشاعره الإيجابية من أجل تعديل سلوكه وتقديم العون له لمعالجة الاضطرابات الانفعالية التي يشكو منها وبالتالي تعزيز السلوك المناسب لديه.

وإلى جانب اللعب الحر هناك اللعب الإرشادي الذي يقوم على تكوين بيئة آمنة يستطيع الطفل فيها أن يعبّر عن نفسه بطريقة تتناسب مع عمره. ويمكن الاستفادة من هذا النوع من اللعب في تحقيق أهداف تعليمية وتشخيصية وعلاجية.

واللعب الإرشادي هو لعب مخطّط له يديره معالج مختص يقوم بتحديد مسرح اللعب واختيار الألعاب التي تتناسب مع عمر الطفل والمشكلة التي يعاني منها، ويتم كل هذا في جو من العطف والتقبل والتفهم وطول البال، وقد يستدعي الأمر مشاركة المختص وحتى الأهل أنفسهم في اللعب من اجل قراءة مشاعر الطفل من كثب وإيضاحها له حتى يدرك نفسه ويأخذ زمام المبادرة في تحقيق الذات وفي اتخاذ القرارات.

ويعتبر اللعب الإرشادي وسيلة رائعة لتواصل الطفل مع الآخرين، ما يمكّنه من السيطرة على مشاعره وتهدئة قلقه من خلال إكسابه جرعة من الشجاعة التي تدفعه إلى القيام بأعمال كان يخشاها.

لكن من هم الأطفال الذين يحتاجون إلى اللعب العلاجي؟ إن جميع الأطفال الذين يعانون مشكلات نفسية واجتماعية ومخاوف مرضية يحتاجون إلى اللعب العلاجي، ومن هؤلاء:

– الأطفال الذين يعانون العنف الأسري وطلاق الوالدين وسوء المعاملة العائلية والاجتماعية.

– الذين تعرضوا لحوادث وكوارث وصدمات عاطفية واعتداءات جسدية وجنسية.

– الذين لديهم نزعات عدوانية وميول للسرقة والكذب.

– الذين يشكون من اضطرابات على صعيد التكلم والتعلم.

– الذين يعانون من مرض التوحّد.

– الذين لديهم مشكلات انفعالية مثل القلق والخجل والخوف والعزلة والغضب والغيرة وفرط الحركة وتشتت الانتباه.

– الذين يشكون من عادة مص الأصابع أو من قضم الأظافر أو من نتف الشعر.

– الذين يعيشون ظروفاً صحية ومرضية طارئة، خصوصاً تلك الناجمة عن الأورام الخبيثة.

في المختصر، يملك اللعب خصائص تفاعلية، فهو نشاط ممتع يثير البهجة في نفوس الأطفال لأنه ينمّي التفكير، ويوسّع الخيال والمدارك، ويشبع الحاجات، ويساعد على التعلم، ويشجّع على بناء الذات ويعزّز عملية التواصل، ويزرع الثقة بالنفس، ويساعد على نبذ المخاوف، ويسهّل القدرة على التفاعل مع الآخرين، ولكنه في الوقت نفسه يعد وسيلة مهمة لفهم شخصية الطفل، ودرس سلوكياته، ومعرفة مهاراته، ورصد مخاوفه، وتشخيص اضطراباته النفسية، وكشف إحباطاته ونزعاته العدوانية. فعلى الأهل الذين يمر أطفالهم في أوقات عصيبة تهدد علاقتهم المتينة بهم أن يستفيدوا منه للحفاظ على صحة أولادهم الجسدية والنفسية والعقلية.

+ -
.