المونديال يتيه عن العرب في غياب الكومبيوتر- المُدرّب

ربما هناك قسوة زائدة في المقارنة بين وصول الجسد المشلول إلى «مونديال البرازيل 2014» وبين استمرار الغياب الهائل للعرب عنه (انظر قسم «مقالات» في موقع «الحياة»، مقال «الروبوت يفتتح مونديال البرازيل 2014» بتاريخ 10 أيار/ مايو 2014). ومرّة أخرى، يتقلّص تمثيل العرب إلى فريق وحيد هو الجزائر، تماماً كما كانت الحال في «مونديال جنوب أفريقيا 2010».

وفي مشاركة أولى تاريخياً للروبوت في كرة قدم البشر، بات مقرّراً أن تحرّك كرة البداية في مباراة الافتتاح من قِبَل مشلول الأطراف الأربعة، يرتدي هيكلاً روبوتيا يعمل بواسطة إشارات من الدماغ.

وقبل مجريات مباراة الافتتاح بين البرازيل وكرواتيا في 12 حزيران (يونيو) المقبل على استاد «آرينا كورنيثس» في ساو باولو، تشاهد الأعين نهوض جسد المشلول كليّاً ليلعب كرة القدم في أرفع مستوياتها، بفضل المعلوماتية والذكاء الاصطناعي للكومبيوتر. ويتحكّم المشلول بهيكل الروبوت عبر التفكير وحده، بمعنى أن «الروبوت- الهيكل» يتحرّك بموجب أوامر تأتيه من دماغ الجسد البشري المُعوّق. ويُطلق على هذا النوع من الهياكل اسم «إكزوسكيليتون» Exoskeleton. ويستطيع هواة السينما أن يتذكّروا سلسلة أفلام تظهر فيها أشكال من الـ «إكزوسكيليتون»، معظمها خيالي مبالغ فيه، لعل أشهرها ظهر في فيلم «آفاتار» Avatar الذائع الصيت.

 

التدريب الحديث على علوم الكومبيوتر

يلقي الفشل العربي الذريع في الوصول الكفوء إلى المونديال، بتحدٍّ قوي على العرب وعلاقتهم بالرياضة. ثمة دروب كثيرة لإيصال الكرة العربية ومنتخباتها الى المونديال مستقبلاً، ربما كان أحدها الاهتمام بالجانب العلمي في التدريب الرياضي، فلم يعد تأهيل الأجساد وتدريبها كي تصل إلى المستويات اللائقة رياضياً سراً مستغلقاً. وإضافة إلى ما بات معروفاً في كليّات الرياضة، ثمة موقع على الإنترنت يسمى «دارت فيش» Dart Fish، وهو متخصص في نشر المعرفة عن التدريب الرياضي علمياً، بات الاعتماد عليه وعلى معلوماته شيئاً راسخاً في الرياضة العالمية، إلى حدّ أن أكثر من ثلث من حصد ميداليات الذهب في أولمبياد أثينا 2004، تدربوا على برامجه.

ومنذ العام 1997، وعقب بحوث علمية مُكثّقة، أطلقت تلك الشركة السويسرية المتخصصة أشرطة فيديو تعتمد أسلوب المحاكاة الافتراضية في تصوير تدريبات رياضية علمية تشمل أنواع الرياضة كافة.

من الناحية التقنية، تنتج الشركة برنامجين أساسيين للتدريب الرياضي بالاعتماد على الفيديو الرقمي، هما «سترو-موشِن» StroMotion و»سيميول-كام» SimulCam، إضافة إلى برنامج متخصص في البث المصوّر للمسابقات الرياضية عبر التلفزيون والإنترنت. ويحمل البرنامج الأخير اسم «دارت استوديو» Dart Studio. واستخدم للمرة الأولى في البث الرياضي عبر الإنترنت، في أولمبياد «سيدني 2000». وكذلك تستخدم مجموعة من أقنية التلفزة العالمية، مثل «سي أن بي سي» و «يورو سبور»، برامج الشركة في تغطياتها الرياضية.

وراجت برامج التأهيل الرياضي التي تنتجها شركة «دارت فيش» منذ دورة الألعاب الشتوية التي استضافتها مدينة سولت لايك الأميركية في 2002، عندما أحرز رياضيون اعتمدوا في تدريباتهم على أشرطة «دارت فيش» ما يزيد على 45 ميدالية أولمبية.

وتصلح لعبة رفع الأثقال نموذجاً لطريقة عمل برنامجَي «سترو-موشن» و»سيميول-كام»، في استخدام كاميرا الفيديو الرقمية لتطوير التدريب، والمقارنة بين أداء اللاعبين. يبدأ عمل ذلك البرنامج باستخدام كاميرا فيديو رقمية لتصوير رباع دولي أثناء أدائه حركة الخطف مثلاً. وبعدها يُنقل الشريط الرقمي إلى الكومبيوتر بعد إدخاله في تلك البرامج الرقمية، ويُصار إلى إبطاء حركة الربّاع ثم تُقطّع إلى مجموعة من الصور الثابتة، بفارق كسر من مئة من الثانية بين كل صورة وأخرى، ثم تُجمع تلك اللقطات في صور مجمعة، فتصير ألبوماً على هيئة «الكولاج».

وفي ذلك الكولاج، يظهر اللاعب مكرراً نفسه عبر مدى الحركة وأجزائها التفصيلية المُكوّنة كلها، ويفيد الأمر في تتبع التفاصيل الدقيقة لكل جزء من جسد اللاعب أثناء كل جزء من الحركة. وفي التدريب، تستعمل كاميرا فيديو رقمية لتصوير حركة المُتدرّب، ثم تجرى مقارنة بين حركات المُتدرّب والربّاع، صورة بصورة، بمعنى أن المقارنة تصل إلى مقارنة الحركات على مستوى كسر من الثانية. ويسمح ذلك بـ «تقليد» الحركات الأصلية للربّاع بدقّة فائقة. هل يعتمد العرب العِلم في تدريب لاعبيهم في كرة القدم، أم أن أمر منتخباتهم الكروية (والرياضية عموماً) سيظل متروكاً لما يشوبه الكثير من التخبّط والارتجال؟

 

الروبوت وأحلام الكرة

بعدما حقّق أحلاماً راودت العلماء طويلاً، بداية من الكومبيوتر ومروراً بالروبوت، أطلق الذكاء الاصطناعي حلماً آخر، «في منتصف القرن الـ21، يفوز فريق من الروبوتات المؤتمتة كليّاً على حامل كأس العالم لكرة القدم، في مباراة تجرى وفق قواعد الـ «فيفا» ونظمها». بهذه الكلمات ارتسم حلم مشروع «روبوكاب» Robocup عند انطلاقته في الربع الأخير من تسعينات القرن العشرين.

بدأ الحلم يتحقّق في العام 1997، الذي يؤشّر إلى حجر أبيض ضخم في تاريخ تطوّر الروبوت والذكاء الاصطناعي. وبعد جهود مديدة، استطاع الذكاء الاصطناعي التفوّق على البشر في الشطرنج، عبر تفوّق الكومبيوتر «ديب بلو» على بطل الشطرنج الأسطورة الروسي غاري كاسباروف، بعد مباراة أذهلت العالم في العام 1997. في تلك السنة عينها، مشى الروبوت على سطح المريخ، محرزاً قصب السبق على الجنس البشري، بل محقّقاً هدفاً صعُبَ على البشر دحره في أربعين سنة تالية.

ومع مشي الروبوت-السيارة «باثفايندر» على المريخ، لعبت الآلات المؤتمتة مونديالها الأول في مدينة ناغويا اليابانية، ثم تتالت المسابقات، وتقاطع مونديالا البشر والروبوت في الأعوام 1998 (فرنسا) و2002 (أجريت مسابقة «روبوكاب» في «فوكوكا» اليابانية بالتزامن مع مونديال اليابان- كوريا)، و2006 (ألمانيا). بعدها، تفارق البشر والآلات المؤتمتة في العام 2010، فلعب الإنسان في جنوب أفريقيا، فيما انعقدت فعاليات «روبوكاب» في سنغافورة. ويسجل مونديال البرازيل 2014 خطوة أخرى في هذا المسار، إذ يعود البشر والروبوت إلى «التلاقي» كروّياً. ويقصد بذلك التلاقي أن مسابقة «روبوكاب» تعود إلى التزامن مع مونديال البشر.

وفي البرازيل أيضاً، وعندما تتدفق مئات الملايين (بل آلافها) إلى الشاشات لتشاهد الحدث الكروي الأبرز، تلتقي فرق دولية من الروبوتات التي تجيد لعب كرة قدم الصالات في ولاية باريبا على الساحل الشمالي الشرقي للبرازيل، تحديداً في مدينة جووا بسيوا وهي عاصمة باريبا.

الأرجح أن الروبوتات سوف تلعب بهدوء، بعيداً من كاميرات البث المتلفز الذي يسوّر العالم كروّياً هذا الصيف. لكن من يدري ماذا يحمل المستقبل؟ هل نشهد روبوتات بمواصفات تحاكي أجساد البشر، وهي تلعب كرة القدم؟ هل نشهد فريقاً مختاراً من صفوة اللاعبين في مواجهة كرويّة ساخنة مع فريق روبوتات يلعب بهياكل ليّنة من الألياف الاصطناعيّة وبذكاء الكومبيوتر؟ لننتظر.

+ -
.