انجازات علمية لعام 2016

حفل العام 2016 بإنجازات علميّة، بل إنّها ربما يحتاج الكلام عنها كتاباً وليس مجرد مقال. من المستطاع إيراد بعض الشذرات والنتف من ذلك المسار، ما يمكن وصفه أيضاً بأنه «لملمات». ويسود شبه إجماع على كون اكتشاف موجات الجاذبيّة هو الإنجاز العلمي الأبرز للسنة المنصرّمة. وللمرّة الأولى، تمكن علماء الفضاء في وكالة «ناسا» من رصد تلك الموجات فعليّاً. وشكّل الأمر إثباتاً مدهشاً لصحة نظرية العالِم آلبرت آينشتاين في النسبيّة التي تنظر إلى الكون كأنه يشبه ملاءة ضخمة مفرودة، تنتثر عليها المجرات بنجومها وكواكبها. وتسري موجات الجاذبيّة في ذلك النسيج فتعطيه تماسكه وقوامه، كما أنها «تتفاعل» مع المجرات والنجوم والكواكب، بل كل المقوّمات المادية الملموسة للكون.

– فوجئت الأرض بتجدّد فيروس جمع للمرّة الأولى، قوّتي الإيدز والملاريا. إذ يجمع فيروس «زيكا» خطّين ضخمين في العدوى كانا منفصلين لحد الآن: الانتقال من طريق ممارسة الجنس (كالإيدز والسفلس)، والعدوى من طريق البعوض على طريقة الملاريا القديمة التي مازالت وباءً منتشراً وفتّاكاً يتحدى التقدّم العلمي. ويزيد في قتامة الصورة، أن معاودة «زيكا» إلى الانتشار، بعد اختفائه في أربعينات القرن الماضي، تزامن أيضاً مع عودة «إيبولا» إلى الانتشار في بلدان أعلنت «منظمة الصحة العالمية» خلوها منه. (أنظر «الحياة» في 23 كانون ثاني – يناير 2016).

– بعد عشرين سنة على استنساخ النعجة «دوللي»، حقّق العلماء إنجازاً علميّاً «مزدوجاً» في مغامرة البشر لاكتشاف الكون. ومثلما سجّل الاستنساخ قفزة نوعيّة في معرفة البشر لهويتهم البيولوجية (خصوصاً تركيبتهم الجينيّة)، شكّل وضع مركبة الفضاء الأميركيّة «جونو» في مسار حول كوكب المشتري تعمّقاً في معرفة البشر في هويّتهم الكونيّة. ويبرز أيضاً أن «جونو» هي أول مركبة تعمل بطاقة الشمس النظيفة، وتستطيع ارتياد الفضاء الكوني وكواكبه. وأطلقت من قاعدة «كايب كانفرال» في ولاية فلوريدا في 5 آب (أغسطس) 2011. ودارت حول الأرض كحجر في مقلاع هائل، ثم افلتتها يد الأرض لتسير بصورة مباشرة تقريباً، نحو المشتري الذي نجحت في وضع نفسها في مسار حوله، بعد تشغيل صواريخ دفع ذاتي فيها.

– ليس مهمّاً أن يكون العالِم المصري – الأميركي الراحل أحمد حسن زويل أول عربي يحرز جائزة «نوبل» علميّة (1999، علم الكيمياء)، أو لا يكون هو الأول عربيّاً. الأهم أنه حاول بدأب لا يلين أن يجعل من تلك الجائزة جسراً يربط بين العرب والعلوم، خصوصاً في المركز الغربي المتقدّم. بعد نيله «نوبل»، عاد إلى عالم العرب وتنقّل بين دولها، محاولاً إقناعها بفكرة إنشاء «مراكز التفوّق العلمي» Science Excellence Centre. كرّمته السعودية بـ «جائزة الملك فيصل العالميّة» (1989) حتى قبل «نوبل»، وبعدها كرّمته بلده مصر بـ «وشاح النيل» (1999). لكن الرجل غاب وفي عينيه حلم، إضافة إلى وصيته بأن يدفن في مصر التي وُلِد فيها عام 1946، ونال من جامعة الإسكندريّة فيها ماجستير في الكيمياء. وتألّق في الولايات المتحدة التي لم يتردّد في التصريح بفضلها عليه، وعلى كل العقول التي تهاجر إليها. وفي أميركا، حصل زويل على دكتوراه في الكيمياء، تحديداً في استعمال أشعة الليزر لدراسة التراكيب الجزيئية للمواد. وقاد فريقاً علميّاً لصنع كاميرا تعمل بالليزر تستطيع أن تلتقط صوراً بسرعة تقاس بالـ «فيمتو ثانية»، وهي جزء من مليون من بليون من الثانيّة! لو كانت الـ «فيمتوثانية» سنة، لكانت الثانية قياساً إليها تساوي 31.71 مليون سنة. ليس مبالغة أن وصف زويل ذلك الإنجاز بأنّه «تجميد الزمن». لم يتوصّل أحدٌ قبله للعمل على ذلك المقياس في تصوير ما يحدث عندما تتفاعل المواد مع بعضها بعضاً. ولذا، كُرّس زويل أباً لعلم جديد هو «كيمياء الفيمتو» Femtochemistry.

– «لا علاج لمرض «آلزهايمر» مهما كانت سيول الأخبار والقصص التي تفيض بها الإنترنت ووسائل الإعلام العام، مع إعلان شركة «بيوجين» Biogen الأميركيّة، عن نتائج واعدة لدوائها «آدوكانوماب»Aducanumab في مرحلة التجارب السريريّة الأوليّة على البشر». بتلك الكلمات المضمّخة بتحفّظ علمي، وصفت مجلة «ساينس» العلميّة الشهيرة ما ضجّت به وسائط الإعلام العام في شأن عقار «آدوكانوماب» ونجاح اختبارات أظهرت قدرته على تحسين حال مرضى «آلزهايمر»، إضافة إلى الوقاية منه.

– أكّد العلم في اليابان تألّقه مجدداً، بفوز البروفسور يوشينوري أوهسومي (مولود في 1945، في فوكوكا»، ويعمل في «معهد طوكيو للتقنية») بجائزة «نوبل» للطب 2016. وصار أوهسومي العالِم الـ 39 الذي يحرز الجائزة منفرداً، ما يشير إلى الوزن الراجح لبحوثه عن آلية الالتهام الذاتي «أوتوفاجي» Autophagy. وفي تلك الآلية، تتجدّد الخليّة عبر التخلّص من محتوياتها القديمة كي يحلّ الجديد بديلاً منها.

– بدا الثالوث الذي نال جائزة نوبل – 2016 للفيزياء، كأنه جسر علمي يربط بين الفيزياء الميكانيكيّة لإسحاق نيوتن في بريطانيا ونسبيّة آلبرت آينشتاين في أميركا، مع امتداد ألماني أيضاً. إذ شهدت بريطانيا مولد ديفيد ثاوليس (بيرسدن، 1934) ودانكن هولداين (لندن، 1951) ومايكل كوستيرليتس (آبردين، 1942). الطريف أن نصف الجائزة (417 ألف يورو) ذهبت إلى الأكبر سنّاً بينهم (ثاوليس، 82 سنة)، فيما تقاسم نصفها الآخر الإثنان الأصغر سناً.

واحتضت جامعات أميركا أعمالهم العلمية في جامعات واشنطن (ولاية سياتل)، وبرنستون (نيوجيرسي)، وبراون (جزر رود، ببروفيدانس) على التوالي. وكذلك اعتمدوا على نظريات أسسها علماء معظمهم ألمان، عرفت باسم «فيزياء الكموميّة» Quantum Physics، لدراسة بنية المادة وانتقالتها في الأحوال المتطرفة!

– بالتساوي، منحت «الكلية السويديّة للعلوم» جائزة نوبل للكيمياء 2016 إلى جان بيار سوفاج (مولود في باريس، 1944)، والسير فرايزر ستوددارت (أدنبرة – انكلترا، 1942)، وبرنار فرينجا (بارجير – كوباسكوم، هولندا، 1951). وأنجز الثلاثة أعمالهم العلميّة في جامعات ستراسبورغ (فرنسا)، و «نورث ويسترن» (الولايات المتحدّة)، و «غرونينغ» (هولندا)، على التوالي. ووُزعت أموال الجائزة (832 ألف يورو) بالتساوي على العلماء الثلاثة مكافأة على «تصميم آلات جزيئيّة وتركيبها»، وفق كلمات البيان الرسمي للجائزة. ومن الناحية العلميّة، تندرج الآلات الفائقة الصغر التي ركّبها العلماء الثلاثة من جزيئات المادة، ضمن تقنيات التصغير المتناهي للأشياء. إذ يأتي الجزيء بعد الذرّة مباشرة في المُكوّنات المستقلّة الصغرى للمواد كافة، كالقول إن جزيء الهيدروجين يتألف من ذرتين. يكفي القول إن تطوّر الكومبيوتر وأدوات المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، يدفع بالتصغير بمعنى أنّه لولا التصغير لكان كومبيوتر المنزل العادي آلة بحجم ملعب غولف أو أكبر! وركّب العلماء الثلاثة جزيئات بطريقة تكون فيها متحرّكة على بعضها بعضاً وكذلك تكون قادرة على نقل الحركة والطاقة، ما يعني أنها تشبه التروس والمحاور والعواميد والأذرع الميكانيكيّة.

+ -
.