بوتين يأمر بسحب «الجزء الأكبر» من قواته في سورية اليوم

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب «الجزء الأكبر» من قواته العاملة في سورية اليوم. وقال إن التدخل العسكري الروسي «حقق أهدافه إلى حد كبير». وأضاف خلال اجتماع في الكرملين مع وزيري الدفاع والخارجية الروسيين إن «الانسحاب سيبدأ اعتبارا من اليوم الثلثاء». وذكر ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين، أن بوتين تحدث هاتفيا مع الرئيس السوري بشار الأسد لإبلاغه بالقرار الروسي.

وسارعت المعارضة السورية إلى الترحيب بالخطوة الروسية، قائلة إن «الانسحاب الجاد سيضغط على السلطات السورية، ويعطي مفاوضات السلام قوة دفع إيجابية»، في حين قال مسؤولون أميركيون إن واشنطن لا ترى اي مؤشرات بعد على استعدادات لانسحاب روسي من سورية.

وقال الكرملين في بيان، إن الأسد أبلغ بوتين انه «يأمل أن تقود عملية السلام الجارية في جنيف إلى نتائج ملموسة، وأن الأسد أكد في الاتصال على الحاجة إلى وجود عملية سياسية في سورية». وأشار الكرملين الى أن القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية «ستبقيان قيد العمل كالعادة بعد بدء سحب القوات».

وأفاد بيان اصدرته الرئاسة السورية  أن «الأسد اتفق مع بوتين على خفض القوات الجوية الروسية في سورية» و«أن روسيا تعهدت بمواصلة دعم سورية في مواجهة الارهاب». وجرى تداول معلومات في موسكو ليل أمس ان «الانسحاب بدأ عبر سفن حربية غادرت القاعدة البحرية في طرطوس أمس ناقلة قوات لم تعد ضرورية للعمليات المستقبلية».

يذكر أن الاتفاق المبرم بين موسكو ودمشق والذي اعلنه الروس من جانب واحد، نص على إرسال قوات جوية روسية الى سورية، وان «توفر السلطات السورية قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية لمجموعة الطيران الروسي، بكل بنيتها التحتية، وكذلك المواقع التي يتم الاتفاق في شأنها بين الطرفين».

ونص الاتفاق أيضاً على أن «قوات روسيا الفيديرالية تستفيد من قاعدة حميميم من دون مقابل»، بالإضافة إلى أن «مكونات مجموعة الطيران الروسي من معدات وجنود يحددها الجانب الروسي بناء على الاتفاق مع الطرف السوري».

وقال الناطق باسم «الهيئة العليا للمفاوضات» في المعارضة سالم المسلط انه «اذا كانت هناك جدية في تنفيذ الاتفاق فسيعطي ذلك دفعا ايجابيا للتسوية، وسيشكل عنصرا اساسيا في الضغط على النظام، ما سيغير الامور الى حد كبير».

في الوقت نفسه، انطلقت في جنيف أمس جولة جديدة من مفاوضات السلام، وسط تحذير المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا من أن البديل عن المفاوضات هي حرب قد تكون أسوأ مما هي عليه اليوم، في خطوة تهدف كما يبدو إلى زيادة الضغط على الحكومة والمعارضة لتقديم تنازلات متبادلة. وتحدث وفد الحكومة السورية عن محادثات «إيجابية وبناءة»، كاشفاً تقديمه «أفكاراً وآراء» بعنوان «عناصر أساسية للحل السياسي» كي يناقشها دي ميستورا مع وفد المعارضة خلال اجتماعهما اليوم الثلثاء.

ولم يكشف رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري تفاصيل عن هذا «الحل السياسي»، لكن لا يُعتقد أنه يخرج عن الإطار الذي رسمه وزير الخارجية السوري وليد المعلم السبت الماضي عندما فسّر «العملية الانتقالية» المنصوص عليها في بيان جنيف بأنها تعني الانتقال من الحكومة الحالية إلى حكومة جديدة تضم المعارضة والانتقال من الدستور الحالي إلى دستور جديد، من دون المس بوضع رئيس الدولة. ولا يبدو أن المعارضة يمكن أن تقبل بمثل هذه الرؤية لـ «الحل السياسي» وستُعيد التأكيد أمام دي ميستورا اليوم أن «العملية الانتقالية» تعني انتهاء حكم الرئيس بشار الأسد وتسليمه السلطة إلى هيئة انتقالية «كاملة الصلاحيات التنفيذية».

وعُقد الاجتماع بين دي ميستورا والوفد الحكومي صباح أمس في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وحضره مساعدو المبعوث الأممي وأفراد الوفد السوري. وقال الجعفري في تصريحات بعد الاجتماع إن «الجلسة كانت إيجابية وبناءة» وناقشت «ضرورة الإعداد الجيد للجانب الشكلي بما يسمح بالانطلاق على أسس متينة وصلبة باتجاه مرحلة مناقشة المضمون أو الجوهر». وشرح أن البُعد الشكلي يعني تحديد «الوفود التي حضرت إلى جنيف أو التي دُعيت، وهل تم تجنّب (دي ميستورا) الثغرات التي واجهتنا في الجولة الأولى، وما هي قوائم الأسماء المشاركة، وهل تم التعامل مع جميع الوفود على قدم المساواة وغيرها». وكان الجعفري يشير إلى الجدل الذي رافق الجولة السابقة من المفاوضات في شباط (فبراير) الماضي في شأن تشكيلة وفد المعارضة الذي ضم ممثلين لجماعات يتهمها النظام بأنها «إرهابية»، مثل «جيش الإسلام»، واستثناء الأمم المتحدة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم من المشاركة.

والملاحظ أن دي ميستورا لم يغيّر موقفه هذه المرة أيضاً، إذ أنه لم يدع الأكراد، كما أن اجتماعه مع وفد المعارضة اليوم سيحضره «كبير المفاوضين» محمد علوش عضو المكتب السياسي لـ «جيش الإسلام».

وكان دي ميستورا حذّر قبل بدء الاجتماع مع الوفد الحكومي من أن البديل عن نجاح المفاوضات هو استمرار الحرب. وقال: «الخطة ب الوحيدة المتاحة هي العودة إلى الحرب. وربما إلى حرب أسوأ مما هي اليوم». وبعدما قال: «إنها لحظة الحقيقة»، أضاف متسائلاً: «ما هي النقطة الأساسية؟ الانتقال السياسي هو النقطة الأساسية في كل القضايا» التي ستتم مناقشتها بين وفدي الحكومة والمعارضة. وتابع أن «جدول الأعمال وضع استناداً إلى القرار الدولي 2254، وفي إطار توجيهات إعلان جنيف بالطبع». واتفقت مجموعة عمل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا ودول عربية في 30 حزيران (يونيو) 2012 في جنيف، على مبادئ مرحلة انتقالية تتضمن هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، لكن الأطراف المعنية بالنزاع، سورية أم غير سورية، اختلفت على تفسير هذه المبادئ التي لم تلحظ بوضوح مصير الرئيس بشار الأسد.

ميدانياً، استمر الغليان أمس في محافظة إدلب (شمال غربي سورية) على خلفية سيطرة «جبهة النصرة» وجماعات إسلامية أخرى على مقرات «الفرقة 13» والاستيلاء على أسلحتها وأسر عدد من عناصرها المدعومين من دول غربية. لكن «الفرقة 13» و «النصرة» وافقتا على اللجوء إلى «لجنة شرعية» تنظر في الخلاف بينهما.

وأشارت «فرانس برس»، من جهة أخرى، إلى أن قوات النظام كثّفت عملياتها العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها تنظيمات إرهابية، وتركز التصعيد خلال الساعات الـ 24 الماضية في منطقة تدمر (ريف حمص الشرقي) بشكل خاص، حيث شن الطيران السوري عشرات الغارات. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان: «تتعرض منذ ما بعد منتصف ليلة (أول من) أمس وحتى الآن مناطق في مدينة تدمر (وسط) ومحيطها لقصف مكثف بما لا يقل عن 200 قذيفة وأسطوانة متفجرة وقذيفة صاروخية»، كما نفذت طائرات حربية أكثر من 80 غارة على المنطقة. وإلى جانب القصف تتواصل الاشتباكات بين قوات النظام وتنظيم «داعش» في محيط المدينة الأثرية، ما أسفر عن مقتل ستة من مسلحي التنظيم.

+ -
.