«تشيللو» مروان خوري… درس آخر في التعبير الموسيقي

تمر غالبية المؤلفات الموسيقية المرافقة لأعمال درامية مرور الكرام. لكن ثمة قلة منها تحقق صدى ووقعاً يضمنان لها أن تحجز مكاناً في الخريطة الفنية. وهو ما حصل تماماً قبل عام مع عمل المغني والملحن والشاعر مروان خوري، في وضع اللحن الأساسي لمسلسل «لو». ويتجدد الموعد هذه الأيام مع لحن لافت آخر لمسلسل «تشيللو»، يبدو ان منتجيه أرادوا ضمان النجاح مسبقاً عبر استعارة الأثر الذي تركه «نجما» المسلسل السابق الى جانب الجوهرة النغمية التي مثلتها المقدمة الموسيقية بتوقيع احد افضل منتجي النغم العربي الرفيع: مروان خوري.

في «لو» العمل الغنائي واللحني، نسختان، الأولى التي رافقت المسلسل الدرامي بصوت المغنية إليسا، والثانية التي غناها مروان خوري بصوته وبطريقته الأنيقة في الأداء. وكانت الأخيرة، تستحق ان ينظر اليها كعمل غنائي – موسيقي منفصل وقائم بذاته، بعيداً من الاتصال المباشر بالمسلسل، حتى وإن كان فعلياً جزءاً منه. الأمر الذي يعيدنا هنا الى عشرات الأعمال الموسيقية والغنائية الناجحة التي حملتها اسطوانات كانت علامات في رفعة النغم العربي والعالمي، مع انها كانت اصلاً ضمن اعمال درامية، تلفزيونية وسينمائية.

قيمة اللحن الذي صاغه صاحب «كل القصايد»، لا تأتي من التعبيرية التي انطوت عليها لتقارب المسارات العاصفة في شخصيات العمل الدرامي، بل من تحولها الى عمل نغمي متقن له شخصيته. فاللحن فيه من قوة الابتكار ما يجعله ليس حاضراً وقادراً على مجرد التذكير بالمسلسل، بل بالمشاعر التي قاربها النص الشعري الغنائي وستظل على امتداد العيش الإنساني في غموضه وعلانيته، في أحزانه ومباهجه، في علوه وانكساره. كان أداء خوري متقناً الى حدّ انه مضى بعيداً عن النسخة الأولى بصوت إليسا. كما ان الغناء العربي اليوم، سيظل يفتقد جرأة كالتي جاء عليه اللحن الذي ينتهي وهو في أعلى مراحل تصاعده. فالنغم ينقطع فجأة، فيما الجملة الموسيقية تمضي متصاعدة الى اقصى مراحل تعبيرها، وهو ما لم تعتده الغنائية العربية المعتادة على «القفلات» الدارجة والمتوقعة.

اليوم، نحن حيال عمل ثان من قماشة الأول. صحيح انهما يشتركان في المهمة ذاتها وهي التعبير بالموسيقى عن المصائر والأحداث ضمن نسق درامي متصاعد. لكن «تشيللو» يختلف في بنائه النغمي عن «لو». فالأخير أقرب الى التعبير اعتماداً على النص الشعري والغناء مع الحضور المهم للموسيقى، بينما الأول براعة نغمية متفردة. فالبداية للآلة الأكثر رقة وشجناً: التشيللو، مع جملة او اكثر تغرف من نبع تلك الأعمال الأبرز في تاريخ تلك الآلة، ومنها «كونشرتو التشيللو» لباخ، وتحديداً في النسخة المعاصرة التي تركها لنا ابرع عازفي الآلة في وقتنا: يويوما، لتنفتح لاحقاً التأويلات النغمية لأحداث المسلسل المأخوذ، كما الأول، عن عمل سينمائي اميركي، يعتمد القضية الشائكة اياها: حب من ثلاثة اطراف.

وكما اتاح خوري للمشاهدين – المستمعين، في عمله الأول، ان يحصلوا على عمل نغمي يحترم المشاعر ويرتقي بها، فإنه في لحن شجي بلا استدرار للعواطف، وفي رقة تبدو ابنة وقتها، يقدم تحية نادرة للمشاعر الإنسانية بين مواطني بلداننا التي تعيش أوقاتها العصيبة، عمادها النغم الجميل، وفي مهمة هي الأصعب: التعبير بالموسيقى الرفيعة.

+ -
.