تطوير شرائح إلكترونية مستوحاة من الدماغ

يتميز الدماغ البشري بقدرته على إدراك الأشياء وفهم اللغة الطبيعية والاستجابة للمتغيرات والتعلم السريع، وغير ذلك من الصفات التي يعمل العلماء منذ عقود على محاكاتها في أبحاثهم بالاستفادة من تقنيات اعتمدت في معظمها على برمجيات قادرة على محاكاة طريقة عمل الدماغ.

وفي السنوات الأخيرة، تركزت الجهود على تطوير شرائح إلكترونية تحاكي الدماغ في طريقتها لمعالجة البيانات، فأطلقت شركة “آي بي إم” الأميركية شرائح “ترو نورث” المُزودة بـ4096 نواة، لتحاكي بذلك قدرة المعالجة المتوفرة لمليون عُصبون دماغي و256 مليون مِشبك عصبي، وقد وصفت الشركة شرائحها بأنها قادرة على ترميز البيانات على شكل نبضات، أي بشكل يشبه طريقة الدماغ في تخزين المعلومات.

وتتميز الشرائح المُستوحاة من الدماغ باستهلاكها المنخفض للطاقة مقارنة بالشرائح التقليدية، كما أن بعض طرازاتها تتميز بالقدرة على برمجة نفسها تلقائيا وتعلم مهارات جديدة.

وخرجت هذه الشرائح من المختبرات ومراكز الأبحاث لتبدأ رحلة اختبارها على أرض الواقع، حيث تم دمجها في طائرات من دون طيار لا يتعدى وزنها المائة غرام، لتقوم الشرائح باقتباس الإشارات الصادرة عن الحساسات البصرية وحساسات الأشعة تحت الحمراء وحساسات الأمواج فوق الصوتية واستخدامها للتحليق داخل ثلاث غرف دون تدخل الإنسان.

عند تحليق الطائرة لأول مرة، تلتقط حساساتها بيانات متنوعة عن الأجسام المحيطة بها، ويتم توليد نمط خاص من النشاط الكهربائي في “العُصبونات” لم تختبره الشريحة مسبقاً، لتكتشف الطائرة بذلك أنها تحلق في مكان جديد، مما يؤدي إلى تغيُر طريقة اتصال “العصبونات” فيما بينها بشكلٍ يُحاكي طريقة التعلم في الدماغ.

إن طرح الشرائح الإلكترونية المستوحاة من الدماغ البشري في منتجات متنوعة ووصولها إلى المستخدم العادي لا يزال أمراً بعيد المنال، لكن نجاح عملية دمجها في الطائرات من دون طيار من شأنه أن يُحمس المختصين في هذا المجال على توسيع أبحاثهم الهادفة إلى تطوير مثل هذه الشرائح، حسب ما أشار إليه مدير المختبرات في شركة “إتش آر إل” الأميركية نارايان سرنيفاسا، التي تجري أبحاثاً واسعة في مجالات الحوسبة الذكية والتقنيات المحاكية للدماغ.

نتائج واعدة
ويقول سرنيفاسا إن الاختبارات أثبتت نجاح الطائرة من دون طيار في التعلم التدريجي والتحليق دون أخطاء على الرغم من وزنها الخفيف ومحدودية الطاقة المغذية لها.

وصممت الطائرة شركة “إيروفايرونمنت” الأميركية وهي تزن 93 غراما وارتفاعها أربعة سنتمترات، في حين يبلغ وزن الشريحة المحاكية للدماغ 18 غراما، ويصل استهلاكها من الطاقة إلى خمسين ميلي واط فقط، وهو مقدار ضئيل جداً لا يمكن الحواسيب التقليدية من تشغيل برمجيات تُساعدها على إدراك الوسط المحيط بها، حسب سرنيفاسا.

وتم دعم وتمويل هذه التجربة من قبل “وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية” (داربا) التابعة لوزارة الدفاع الأميركية والتي تمول مختلف مشاريع وأبحاث الشرائح الإلكترونية المحاكية للدماغ التي تجريها جهات على غرار شركتي آي بي أم وأتش آر أل.

وقد حققت نماذج تلك الشرائح نتائج واعدة لكنها تبقى بحاجة إلى مزيد من الجهد قبل أن تُصبح قابلة للطرح في مُنتجات ذات وظائف حساسة، وفقا للأستاذ المساعد في جامعة “بويس ستيت يونفيرستي” الأميركية فيشل ساكسينا، المتخصص في أبحاث الشرائح الإلكترونية المستوحاة من الدماغ.

وتطمح وزارة الدفاع الأميركية إلى تطوير شرائح مستوحاة من الدماغ تُمكن الطائرات من دون طيار العسكرية من اقتباس بيانات الحساسات الخاصة بها للتحليق بالشكل المطلوب دون أن يتم توجيهها من قبل عناصر بشرية على الأرض، بل أن تتخذ قرار توجيه ضربة بشكل ذاتي.

كما تدرس جهات متنوعة على غرار شركة صناعة الطيران الشهيرة “بوينغ”، وشركة صناعة السيارات “جنرال موتورز”، إمكانية الاستفادة من هذه الشرائح في بناء طائرات وسيارات ونُظم قادرة على التصرف التلقائي وبذكاء دون تدخل الإنسان.

+ -
.