تهدئة في وادي بردى واتفاق على «تحييد الماء» عن المعركة

شهدت منطقة وادي بردى قرب دمشق هدوءاً أمس على خلفية اتفاق بين القوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة على السماح بدخول فرق صيانة لإصلاح الأعطال في محطات ضخ المياه التي تغذّي العاصمة السورية «العطشى» منذ توقف الإمداد عنها في أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وبدت التهدئة ثمرة لجهود قامت بها روسيا، التي أرسلت وفداً مساء أول من أمس إلى وادي بردى ويُفترض أنه تفاوض هناك مع ممثلي الفصائل أو «وسطاء» فيها. وكانت فصائل المعارضة تهدد منذ أيام بإنهاء وقف النار الشامل الساري في عموم سورية، إذا لم توقف القوات النظامية ومعها «حزب الله» اللبناني الهجمات التي تستهدف هذه المنطقة التي توصف بأنها «خزان مياه دمشق».

وأعلن «الإعلام الحربي» لـ «حزب الله»، مساء الجمعة، أن وقفاً للنار طُبّق لـ «ساعات عدة» في «منطقة وادي بردى في ريف دمشق»، وأنه انتهى «بعد خروج الوفد الروسي الذي دخل المنطقة من أجل إيجاد بعض الحلول». وأعلن الحزب لاحقاً «التوصل إلى هدنة لوقف النار في وادي بردى تبدأ التاسعة صباحاً (صباح السبت) وإدخال فريق صيانة إلى نبع الفيجة، ليتم بعدها استكمال المفاوضات»، وهو أمر كان يُفترض حصوله فعلاً خلال نهار أمس. إذ أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأنه كان من المنتظر أن تدخل «في أي لحظة» ورشات الصيانة «للبدء في إصلاح محطات ضخ المياه» في نبع الفيجة. ولفت إلى «أن الورشات وصلت منذ الصباح (السبت) إلى مناطق سيطرة قوات الحكومة في وادي بردى… وتنتظر تأمين دخولها إلى منطقة وادي بردى ومنطقة عين الفيجة للمباشرة بعملية تقييم الأضرار وإصلاحها».

وأفاد «المرصد»، في هذا الإطار، بأن طرفي القتال توصلا إلى اتفاق ينص «على إعادة ضخ المياه من نبع عين الفيجة ووادي بردى إلى دمشق» قبل البدء بتنفيذ بقية البنود الواردة فيه، «على أن يتحمل كل جانب مسؤولية عرقلة الاتفاق أو إعاقة تنفيذ بنوده».

ولفت «المرصد» إلى أن الاتفاق الذي أعده «وسطاء» في وادي بردى «يقوم على تحييد المياه عن أي اشتباكات أو اقتتال، وإدخال ورشات صيانة لإصلاح النبع ومضخات المياه، وإعادة ضخ المياه إلى العاصمة دمشق، لإثبات أن الفصائل ليست هي من قطع المياه عن العاصمة». وجاء في الاتفاق الذي نشره «المرصد»: «-يعفى المنشقون والمتخلفون عن الخدمة العسكرية لمدة 6 أشهر -تسليم السلاح المتوسط والثقيل والخفيف – تسوية أوضاع المطلوبين لأي جهة أمنية كانت -عدم وجود أي مسلح غريب في المنطقة من خارج قرى وادي بردى ابتداء من بسيمة إلى سوق وادي بردى -بالنسبة إلى المسلحين من خارج المنطقة، يتم إرسالهم بسلاحهم الخفيف إلى إدلب مع عائلاتهم -بالنسبة إلى مقاتلي وادي بردى من يرغب منهم بالخروج من المنطقة يمكن خروجهم إلى إدلب بسلاحهم الخفيف -عدم دخول الجيش إلى المنازل -دخول الجيش إلى قرى وادي بردى ووضع حواجز عند مدخل كل قرية، عبر الطريق الرئيسية الواصلة بين القرى العشر -يمكن أبناء قرى وادي بردى من المنشقين أو المتخلفين العودة إلى الخدمة في قراهم بصفة دفاع وطني ويُعدّ هذا بمثابة التحاقهم بخدمة العلم أو الخدمة الاحتياطية -نتمنى عودة الموظفين المطرودين إلى وظائفهم».

ويشهد وادي بردى منذ 20 كانون الأول (ديسمبر) معارك مستمرة بين القوات الحكومية وحلفائها وبين الفصائل المعارضة، إثر بدء الطرف الأول هجوماً للسيطرة على المنطقة التي تمد سكان دمشق بالمياه.

وأعلن التلفزيون الرسمي السوري بالفعل أمس، أن ورش الصيانة وصلت إلى المنطقة الواقعة على بعد 15 كيلومتراً شمال غربي دمشق، وهي «جاهزة للدخول» للبدء بعملية الإصلاح. ونقلت «فرانس برس» عن مصدر قريب من الحكومة إنه «تم الاتفاق على وقف موقت لإطلاق النار يتيح دخول فرق الصيانة، على رغم أن عملية الإصلاح قد تستغرق أياماً عدة».

وتوصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق لوقف للنار يمهد الطريق أمام إجراء مفاوضات سلام الشهر الجاري. ويسود الهدوء على جبهات عدة في سورية منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 30 كانون الأول (ديسمبر). غير أن الهدنة انتهكت مرارات بفعل القتال الدائر في منطقة وادي بردى. وتسببت المعارك وفق «المرصد»، بتضرر إحدى مضخات المياه الرئيسية ما أدى الى قطع المياه عن العاصمة منذ أكثر من أسبوعين.

وتبادل طرفا النزاع الاتهامات بالمسؤولية عن قطع المياه، في وقت شددت الأمم المتحدة على أن أعمال التخريب والحرمان من المياه تعد «جرائم حرب». وقالت الأمم المتحدة الخميس إن «في دمشق وحدها 5,5 ملايين شخص حرموا من المياه أو تلقوا كميات أقل لأن موارد وادي بردى (…) غير قابلة للاستخدام بسبب المعارك أو أعمال التخريب أو الاثنين معاً».

وعملت روسيا وتركيا بشكل وثيق حيال النزاع السوري، وتوصلتا إلى اتفاق الشهر الماضي يتيح للمدنيين والمقاتلين مغادرة حلب في شمال البلاد.

وتسعى موسكو وأنقرة من خلال الهدنة إلى تمهيد الطريق أمام محادثات سلام مرتقبة الشهر الحالي في عاصمة كازاخستان.

لكن المعارك في وادي بردى دفعت الفصائل إلى تجميد أي محادثات تحضيرية للقاء آستانة، متحدثة عن «خروقات» للهدنة من النظام.

وتتدخل موسكو وأنقرة عسكرياً في سورية، حيث بدأت تركيا عملية «درع الفرات» في آب (أغسطس) ضد تنظيم «داعش» والمتمردين الأكراد على حد سواء. وبعد استعادة بلدات عدة من «داعش»، تركز القوات التركية وحلفاؤها السوريون على منطقة الباب، معقل التنظيم في محافظة حلب.

وقال «المرصد السوري» السبت، إن تركيا أرسلت تعزيزات عسكرية ضخمة إلى المنطقة في ما يبدو أنه تحضير لبدء عملية عسكرية جديدة في الباب.

وفي الشمال، أحرزت «قوات سورية الديموقراطية»، وهي تحالف عربي كردي تدعمه واشنطن، تقدماً في المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش» في إطار عمليتها الرامية لدخول معقل التنظيم في الرقة. وأشار «المرصد» إلى أن تلك القوات أصبحت على مسافة قريبة من سد الفرات في الريف الشمالي لمدينة الطبقة في غرب الرقة. وقال مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن إن «قوات سورية الديموقراطية» تمكنت من «التقدم والسيطرة على آخر قرية تفصلها عن السد. لم يعد أمامها إلا أربعة كيلومترات من الأراضي الفارغة».

وسيطرت «قوات سورية الديموقراطية» الجمعة على قلعة جعبر الأثرية التي تشرف على أكبر سجن يديره تنظيم «داعش» قرب سد الفرات.

ويسيطر التنظيم منذ العام 2014 على محافظة الرقة.

ويقع سد الفرات الذي تشرف عليه القلعة، وفق «المرصد»، على بعد 500 متر من مدينة الطبقة الاستراتيجية، التي تعد مركز ثقل أمني للتنظيم في سورية ويقيم فيها أبرز قادته. كما يبعد نحو خمسين كيلومتراً عن مدينة الرقة.

وبدأت «قوات سورية الديموقراطية» في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) حملة «غضب الفرات» لطرد «داعش» من الرقة وتمكنت بدعم من التحالف الدولي من إحراز تقدم كبير في ريف الرقة الشمالي في المرحلة الأولى من الهجوم. وأعلنت في العاشر من الشهر الماضي بدء «المرحلة الثانية» من هجومها الذي يهدف إلى طرد التنظيم من الريف الغربي للرقة و «عزل المدينة».

+ -
.