ثورة في توليد الطاقة: ذرّات تخزّن الشمس

إذا سمعت مستقبلاً أن المعادلات الكبرى للطاقة انقلبت في عام 2014، لا تفكر في الغاز. إنسَ الغاز الصخري والـ «فراكينغ». ولا تسرح بالخيال مع المفاعلات الذرّيّة.

إذاً، جرّب شيئاً آخر. جرّب «خلطة» من الزجاج والنانوتكنولوجيا والكربون والكوانتوم والشمس، بل حتى الليل والقمر! جرّب ما صنعه علماء أميركا: ذرّات تتغيّر تركيبتها بفضل امتزاجها مع أنابيب النانوكربون، فتختزن طاقة الشمس. وعند الحاجة، تخرج تلك الذرّات مخزونها من الطاقة، وتنقلب ثانية إلى شكلها الأصلي. وتتكرّر الدورة ثانية، ربما إلى ما لا نهاية!

إذاً، لم لا تنقلب المعادلات طالما أنها تتصل بالشمس، وهي أضخم مصدر مستقرّ للطاقة على الأرض بل في الفضاء الشاسع للمنظومة الشمسيّة؟

لطالما أتعبت الشمس العقول. صحيح أن الشمس تمنح الأرض في بضع ساعات طاقة تكفي البشر عاماً. ولكن طاقة الشمس لها مشاكل شائكة، لا تبدأ من اختفائها ليلاً، ولا تتوقف عند ضرورة تخزين الكهرباء المتولّدة عنها بالفولطيّة المباشرة، ولا تنتهي عند وجوب تسخين كميات ضخمة من المياه لتوليد بخار يحرّك توربينات إنتاج الكهرباء.

انقلبت الحال مع هذه الأمور كلها في ربيع 2014. وبفضل جهود مشتركة بين علماء «معهد ماساشوستس للتقنيّة» و «جامعة هارفرد»، صنّعت ذرّات لها تركيب مضطرب. وعندما تتعرض للشمس، تقفز تركيبتها من حال معيّنة إلى حال آخر، مع تخزين الطاقة في تجاويفها الذرّيّة الداخلية. وعند الحاجة، يكفي «هزّها» قليلاً (كميّة ضئيلة من الحركة أو الضوء أو الحرارة تكفي)، كي تعود إلى تركيبتها الأولى، وتخرِج الطاقة الكبيرة التي اختزنتها، بل تصبح مستعدّة لاستقبال طاقة الشمس وتخزينها مجدّداً!

سمّى العلماء هذه الذرّات المضطربة «مُبدّلات الضوء» («فوتو سويتشز»). وواضح أنها تقدّر على العمل ليلاً، بل إن ضوء القمر والنجوم هو أكثر من كافٍ لها كي تعطي الطاقة! وهي لا تحتاج إلى أي وسيط لتعطي الطاقة التي حصدتها أصلاً من الشمس. لا بطارية. لا وقود. لا ماء. لا شيء، سوى ألواح فيها ذرّات الـ «آزو بنزين»، وهي مرصوصة ضمن أقفاص من أنابيب كربون النانوكربون الصغيرة جداً.

وتعيد ذرّات الـ «آزوبنزين» الصحراء إلى قلب معادلة الطاقة عالميّاً. إذ تتلقى الصحراء الكميّة الأكبر من ضوء الشمس، كما تخلصّها الذرّات من الحاجة إلى الماء والبنى التحتية المعقدة، في إنتاج الطاقة من الشمس.

هناك معطى أساسي في الطاقة، يتمثّل في كثافة الطاقة، أي كمية الطاقة التي تعطيها وحدة معيّنة من الوقود. وبفضل كثافته العالية في الطاقة، يحتل البنزين (وكذلك الكيروسين والفيول والمازوت والغاز) مكانة مرموقة في عوالم الوقود. وللسبب نفسه، أزيح الخشب والفحم الحجري عن صدارة مشهد الطاقة لصالح النفط والغاز.

وفي تلك الذرّات المضطربة، استطاع علماء أميركا الوصول إلى تركيز مرتفع في كثافة الطاقة، بفضل قدرّتهم على رصف كميات كبيرة من أنابيب النانوكربون في ألواح الـ «آزوبنزين».

لماذا الإصرار على تكرار عبارة «ذرّات مضطربة»؟ لمجرد الإشارة إلى أن هذا الاختراق العلمي الضخم يستند إلى فيزياء الكوانتوم التي تخالف أنواع الفيزياء الأخرى، من نيوتن إلى آينشتاين. المفارقة، أن آينشتاين انتمى لهذه المدرسة التي قادها علماء مثل ماكس بلانك وإيرفنغ شرودنغر وورنر هايزنبرغ وغيرهم، في مطالع القرن العشرين. ولكن هذه النظرية لها مناحٍ شبه سوريالية، على غرار القول بذرّات مضطربة تقفز تركيبتها من حال إلى حال، بل أنها ربما تعايش الحالين معاً! وغادر آينشتاين معسكر الفيزياء الكموميّة. وحاضراً، يحاول العلماء مصالحة فيزياء آينشتاين ونيوتين من جهة، والكمومية من الجهة الثانية. وقبل أيام، خطى فريق فلكي أميركي خطوة كبرى في هذا الاتجاه. هل نشهد مصالحة تاريخية كبرى قريباً؟ مجرد سؤال.

+ -
.