سليم أبو جبل.. سنوات للمعايشة السينمائية مع حالة إنسانية

z

من عالم الكتابة الأدبية والنقدية جاء سليم أبو جبل ابن الجولان السوري المحتل (من مواليد 1971) ليطرح نفسه كمخرج سينمائي ويثير الانتباه بقوة، إذ نال الجوائز منذ العرض الأول لفيلمه «روشميا»، الشريط الوثائقي الطويل (70 ق.)- ذي الإنتاج المشترك فلسطيني/ إماراتي/ قطري/ سوري). و «روشميا» الذي استعار الفيلم منه عنوانه هو الوادي المنسي في أطراف مدينة حيفا، والذي كان منطقة مأهولة حتى بداية الثمانينات إلى أن هجره الجميع باستثناء يوسف حسان – أبو العبد- وزوجته بطلي الفيلم اللذين عاشا فيه لائذين إلى كوخ من الصفيح منذ عام 1956، إلى أن تقرر بلدية حيفا إقامة نفق يمر عبر الوادي وبالتالي هدم الكوخ بالقوة وتهجير الزوجين. هنا لقاء مع مخرج «روشميا» هدفه إلقاء الضوء على رحلة صناعة هذا الفيلم.

> بعد مشوار طويل مع الصحافة، لماذا قررت فجأة التحوّل إلى الإخراج السينمائي؟

– عملي في الصحافة جاء دون تخطيط، بدأت كناقد سينمائي ومسرحي وكاتب قصة قصيرة، ثم صاحب عمود أسبوعي في الجريدة التي أصبحت فيما بعد محررها. لكن عملي في الصحافة لم يكن هدفي بل كان الوقت الذي أقضيه في انتظار أن تُتاح لي فرصة إخراج فيلم. كأي شخص يطمح لتقديم أفلامه، فإن الطريق ليست سهلة وتحتاج للكثير من الصبر والانتظار، خاصة في ظروف مَنْ يعيش في وطن سلب منه، وليس هناك مَنْ يتبنى أو يدعم ما يرغب بتصويره. لم يكن انتقالاً سريعاً إلى الإخراج السينمائي، بل احتاج سنوات طويلة. بدأت بتصوير «روشميا» حتى الانتهاء من المونتاج، تسع سنوات مرت!!

> هل درست السينما دراسة أكاديمية؟

علاقتي بالسينما بدأت من خلال كتابة النقد السينمائي، ثم دراسة كتابة السيناريو خلال سنة تعليم مكثفة، كان هذا قبل تصوير فيلم «روشميا»، وخلال العمل على الفيلم عملت في أفلام عديدة كمدير إنتاج ومدير كاست، أي اختيار الممثلين، مع عدد من المخرجين الرائدين، ميشيل خليفة، وإيليا سليمان، وإيزيدور مسلم، نجوى نجار، ومي مصري، وكمال جعفري وغيرهم… عدا عن تنظيمي مهرجان «أفلام خلف الجدار»، ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للضفة العربية عام 2005.

يوم من العمل الصحافي

> قدمت جهداً وملفاً صحافياً في شأن «روشميا» قبل أن تقرر صناعة فيلم وثائقي عنه، لماذا؟

– التقرير الصحافي عن روشميا جاء في إطاره ووقته، كان علي أن أقدم قصة صحافية أو تقريراً مطولاً كل أسبوع للجريدة التي كنت أحررها، صحيفة «المدينة» في مدينة حيفا. وكانت دهشتي كبيرة حين وجدت رجلاً مسناً وزوجته يسكنان كوخاً من الصفيح في وادٍ منسي وسط مدينة عصرية، لكن لا يصلهما الماء ولا الكهرباء أو الهاتف أو الصرف الصحي.

زيارتي الصحافية استمرت يوماً كاملاً عشته معهما، وأكلت من طعامهما، كانا كريمين للغاية رغم محدودية مواردهما. عدا عن كونهما لاجئين منذ عام النكبة 1948، فإن قصتهما الإنسانية واختيارهما العيش بانقطاع عن العالم ألهمتني، ما جعلني أكرر زيارتي بعد نشر التقرير. بقيت أتردد وأزورهما على مدار أكثر من سنة. كانت هذه لحظات الراحة من ضغط العمل والحياة اليومية، كانت هذه زيارة إلى الزمن الماضي، إلى لاجئ فلسطيني يعيش في كوخه وكأن النكبة حدثت بالأمس.

> ألم تشعر بأن الملف الصحافي عن روشميا كان كافياً؟

– لم أشعر أنني اكتفيت لأن العلاقة الشخصية معهما تطورت بعد نشر الملف الصحافي، كان من الممكن أن أكتب رواية، لكن رغبتي في تقديم فيلم وثائقي اكتملت حين وجدت في هذه الحكاية أكثر من فيلم وثائقي.

> ما الذي قالته الصورة المرئية المتحركة ولم تقدر عليه الكلمة المكتوبة؟

– صورة أبو العبد وزوجته تنطق بالكثير وربما هي كافية لإيصال قصة حزينة عن لاجئ مسنّ في كوخ من الصفيح، وستكمل الكلمات بقية الصورة، لكني رأيت أنني أمام شخصيتين سينمائيتين من لحم ودم، ولم يخب حدسي فقد قدما الحياة كما هي أمام الكاميرا وكان من حظي أنني سجلت حواراً حقيقياً دون تكلف ودون حساب لوجود الكاميرا، حواراً يحلم به أي كاتب سيناريو.

> من أين اكتسبت هذا الحس الشاعري في السرد رغم أن فيلمك مملوء بالألم؟

– الحس الشاعري جاء أساساً من الشخصيات التي تعيش حياتها بصدق، وتقول كل ما تفكر به، ولا تتملق أو تتجمل أو تتكيف، فحين تغضب أو تفرح تفعل ذلك بكامل جوارحها وحين تصمت تدخل في نفق عميق من التفكير. وأعتقد أن لحظات الصمت الطويلة التي كنت أقضيها برفقتهما، ظهرت في الفيلم كقرار مدروس خلال فترة المونتاج. وربما لأني قضيت سنوات طويلة أكتب الشعر – ولا أزال – ما ساهم في خلق هذه اللمسات.

> وماذا عن الصعوبات التي واجهتك أثناء الإعداد للمشروع وأثناء التصوير؟

– الصعوبة الأكبر كانت كيف أقوم بالتصوير دون ميزانية، دون معدات وطاقم تصوير… الحل كان ببساطة الحصول على كاميرا من صديق، ثم التصوير بنفسي دون طاقم. أُدرك الآن أن هذا جعل الفيلم على ما هو عليه، فقد ساعدني ببناء العلاقة مع الشخصيات دون وجود أكثر من شخص، وساعد هذا بأن تكون الصورة المسجلة من العالم الحقيقي. لأجل أن ينجح الأمر، كنت أعمل على جعل الرجل وامرأته ينسيان وجودي ووجود الكاميرا وهذا ما حدث مع الوقت، فغالبية المشاهد جاءت أقرب للفيلم الروائي منه للوثائقي بسبب التلقائية الخالصة للشخصيات.

> هل قمت بحذف مشاهد كنت تشعر بالندم وأنت تحذفها؟ ولماذا؟

– بالتأكيد، وهذا جزء من ضروريات مرحلة المونتاج، لا بد من حذف مشاهد قد تكون جميلة وساحرة لتنفرد مشاهد أخرى بتلاوة القصة وسبر غور الشخصيات. هذه عملية جراحية لا بد للمخرج من القيام بها، نسميها «القص باللحم»، كنت محظوظاً أنني بدأت المونتاج بعد أربع سنوات من التصوير وهذا حررني من الوقوع في قبضة الحب لبعض اللقطات، فكان من السهل التنازل عنها. كان علي اتخاذ قرارات صعبة خلال المونتاج وحذف مشاهد جميلة ومؤثرة، وذلك بسبب رغبتي ألا يزيد الفيلم على 70 دقيقة وبأن أحافظ على إيقاع الفيلم الذي رسمته له منذ البداية.

> كيف أتممت التصوير؟ وفي أي مدى زمني؟

– بدأت التصوير عام 2005 عبر كاميرا بيتية ذات جودة منخفضة وكان هدفي البدء ببناء الثقة مع الشخصيتين وتعويدهما على أنني موجود وأقوم بالتصوير عدا عن أن حصولي على كاميرا أفضل لم يحصل بعدُ في هذه المرحلة. استمر التصوير على هذا النحو ثلاث سنوات، أي حتى هدم الكوخ، ثم استمر التصوير في مكانهما حتى عام 2013. لكني اخترت ألا أضم هذه المرحلة للفيلم.

نحو جزء ثانٍ

> إذاً لديك مواد مصورة بين عامي 2008 و2013، فهل من الممكن أن نرى جزءاً آخر من «روشميا»؟

– المادة المصورة بعد هدم الكوخ تصلح لجزء ثانٍ من روشميا، لأن أحداثاً أخرى جرت في السنوات اللاحقة. كان من الصعب على المسنين العيش في شقة ضمن عمارة سكنية بعد سنوات طويلة من العيش في الوادي الذي كان حديقتهم. خسارة الكوخ والحياة التي اختاراها أثّرت على العلاقة بينهما وعلى سنواتهما الأخيرة التي قضياها في حسرة. يمكن أن تكون المادة المصورة لهذه المرحلة نافعة لفيلم مختلف، خصوصاً أن شخصيات أخرى دخلت في القصة مثل صاحب البيت الجديد اليهودي عراقي الأصل.

> كتبت السيناريو وقمت بالتصوير وبالمونتاج، وهي تجربتك الأولى في عالم الإخراج، كيف تأتي لك ذلك؟

– لقد احتاج كل هذا مني صبراً على نفسي وألا أتعجل في أي مرحلة. أيضاً احتاج جهداً في تفريغ متسع من الوقت للتركيز، واتخاذ قرارات واعية بالتوقف عن العمل على الفيلم لأشهر وربما لسنوات. كل هذا كان عبارة عن إدارة مطلوبة لذاتي، عدا عن كوني المنتج أيضاً. في النهاية كانت هذه التجربة مدرستي الخاصة التي تعلمت فيها صناعة الأفلام ونلت عنها شهادة التخرج عبر جائزتين، جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي والجائزة الكبرى للفيلم الوثائقي في مهرجان تطوان لدول البحر المتوسط.

تعليقات

  1. نفتخر بك اخ سليم وانت رفعة راسنا، والى مزيد من النجاحات والعطاء !…

  2. هذه هي الأخبار اللتي نريد ان نسمعها عن أبناء الجولان ٠ كل الاحترام اخ سليم والى الامام.

  3. بالتوفيق سليم… :)هذه مجدل شمس التي كنا نصبو ونعمل على أن تكون منارة يبدو أن مُبدعيها يهجرونها ولكنهم يبعثون إليها بطاقاتهم الجميلة الإيجابية من البعيد… لا تتوقف عن إرسال هذه الطاقة فنحن بحاجة إليها في هذا الزمن المليء بالعنف غير المُبرر.

التعليقات مغلقة.

+ -
.