صور ناسا للمجرات ليست حقيقية وإنما رسوم توضيحية!

Nasa

يكفي أن ترى صورة واحدة من صور السدم والمجرات التي تنشرها ناسا على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تنبهر بجمال الألوان التي فيها، فتحرك إصبعك على زر “ريتويت” بسرعة، لتشارك غيرك جمال تلك السدم والمجرات.

ما قد لا تعلمه أن هذه الصور إنما هي ملونة من قبل متخصص في برنامج فوتوشوب يعمل في ناسا، وهي في الحقيقة رمادية أو حتى سوداء قاتمة.

وتنشر ناسا صورا للكواكب الكثيرة التي اكتشفت مؤخرا، فمنها ما هو أصفر ومنها ما هو أزرق، ومنها ما هو ألماسي، وهكذا، الصور كلها مثيرة جماليا بالإضافة لكونها جاذبة لأنها اكتشافات جديدة.

حتى هذه الصور (عدا المجموعة الشمسية، وإن كانت هي أيضا معدلة نوعا ما)، فهي ليست إلا رسومات توضيحية رسمها فنان، وهي في الواقع لا ترى نهائيا بأقوى التلسكوبات البصرية، كل ما يعرفه العلماء عنها هو الضوء الصادر من النجم الذي تحيط به.

“يلتقط المنظار البصري صورا يمكن للعين أن تراها، ويلتقط المنظار الراديوي صورا لإشعاعات لا تُرى بالعين المجردة، ثم يقوم المختص بالفوتوشوب بإضفاء لون لكل صورة منها، ويركبها فوق بعضها البعض ”

ألوان كاذبة

الصورة الواحدة للسدم والمجرات مكونة من طبقات من صور مختلفة، بعضها يُلتقط باستخدام مناظير بصرية (مثل التلسكوب هبل)، وبعضها مصور باستخدام التلسكوبات الراديوية، فيلتقط المنظار البصري صورا يمكن للعين أن تراها، ويلتقط المنظار الراديوي صورا لإشعاعات لا تُرى بالعين المجردة، ثم يقوم المختص بالفوتوشوب بإضفاء لون لكل صورة منها، ويركبها فوق بعضها البعض.

الكثير من أطياف الضوء لا تُرى بالعين المجردة، فالإنسان لا يرى سوى الضوء الذي يكون بأطوال موجية بين 390 نانومترا و700 نانومتر، ولذا تقوم ناسا بتلوين الأطياف الخارجة عن حدود الإبصار بدرجات مختلفة، كلا منها بحسب درجة قوة الإشعاع، وكذلك فإن ناسا تلون الصور بحسب نوع المادة.

حينما ينظر العلماء إلى الصور الملونة بألوان مختلفة سيرون تفاصيل مكونات النجوم والسدم، ومنها يستطيعون أن يميزوا ما فيها من غازات وإشعاعات ومواد في صورة واحدة، وبالتالي يتمكنون من دراستها بدقة أكبر.

ولو أن الصور لم تّلون فستظهر كلها باللون الرمادي ولن يتمكن العلماء من تمييز محتوياتها، بل لو أنهم نظروا إلى السماء بمناظير بصرية، فستكون السماء معتمة شديدة السواد رغم احتوائها على الكثير من المعلومات.

ماذا يعني أن يكون لون الجسم أحمر أو أصفر أو أخضر؟ الألوان هي -في الحقيقة- ليست إلا تفسيرات شخصية، فالعين تستقبل تذبذبات الأطياف الموجية المحدودة، ثم تنقلها إلى المخ، فيقوم هو بدوره بإضفاء ما نسميه بـ”لون” عليها، ومن ثم نستطيع أن نميز الأشياء المختلفة التي تصدر هذه الأضواء، الأجسام ليست ملونة في جوهرها، “اللون” لا وجود له في الطبيعة.

كيف تستطيع أن تعرف أن اللون الأزرق الذي تراه هو في الحقيقة اللون نفسه الذي يراه غيرك؟ قد يكون وأنك ترى موجة من الضوء بلون معين وغيرك يرى نفس الموجة بلون آخر، ولكن كلاكما يسميها “أزرق”، هذا يعني أن الألوان ليست موضوعية، ونستطيع أن نلون الصور كما نشاء لنميز مكوناتها، فإن استطعنا نميز الأجسام التي تصدرها بتقليمها لونيا نكون قد حققنا الهدف المنشود، وهو المعرفة. ولهذا تلون ناسا الصور.

“تتناول الكثير من مواقع الإنترنت صورا أو لقطات فيديو لكواكب اكتشفت مؤخرا في مجرة درب اللبانة، وتقارن صور هذه الكواكب في العادة مع الكرة الأرضية، لأن العلماء يبحثون عن كواكب قد تكون مؤهلة للحياة كما هي الحال في كوكب الأرض ”

الكواكب البعيدة

تتناول الكثير من مواقع الإنترنت صورا أو لقطات فيديو لكواكب اكتشفت مؤخرا في مجرة درب اللبانة، وتقارن صور هذه الكواكب في العادة مع الكرة الأرضية، لأن العلماء يبحثون عن كواكب قد تكون مؤهلة للحياة كما هي الحال في كوكب الأرض.

حينما نرى هذه الصور قد نعتقد أنها حقيقية أيضا، ولكنها ليست إلا صورا رسمها فنان مُعتمدا على معلومات يقدمها له العلماء.

فيرسمها على شكل كرة بلون بيج أو أزرق أو برتقالي وما أشبه، ثم يضع عليها الأخاديد، ويضيف على سطحها السحب والقارات والمياه، وهذه الصور لم تلتقطها المراصد البصرية، ولم تكن سوى معلومات من أرقام ورسومات بيانية استشف منها العلماء التفاصيل.

الكواكب المكتشفة مؤخرا تبعد عنا مئات السنوات الضوئية، بحيث لا يمكن التقاط صورها حتى بأقوى المناظير البصرية، فلا نستطيع بأي حال من الأحوال رؤيتها كما هي في الحقيقة، لذلك فالعلماء يستخدمون تلسكوبات مختلفة لالتقاط الضوء الصادر من النجوم التي تدور حولها تلك الكواكب.

ويقوم العلماء بمراقبة ضوء نجمة بعيدة جدا، فإن انخفض ضوؤها قليلا، وتكرر هذا الانخفاض دوريا، قد يعني أن لهذه النجمة كوكبا يدور حولها، فحينما يمر الكوكب أمام النجمة فإنه سيغطي جزءا من الضوء المنبعث منها، ومع انخفاض الضوء قليلا، يكتشف العلماء وجود ذلك الكوكب، وهذا يعني أن الكوكب لا يرى بذاته، بل إن المعلومات مستقاة من أثره.

قد نصاب بالإحباط عند معرفتنا أن ما نراه في بعض الصور يختلف عن ما نراه بعيوننا في الواقع، ولكن لا ننسى أن جزءا عظيما مما نعرفه يأتي إلينا بطريقة غير مباشرة، فالكثير من المعلومات في الكون محجوبة عن أدواتنا الحسية، ولذلك يلجأ العلماء إلى أدوات تُجلّيها، ولو لم يقوموا بذلك لبقينا عُشْوا أو في ظلام شديدة العتمة علميا.

_______________

* أستاذ مساعد في كلية الدراسات التكنولوجية بالكويت

+ -
.