فلسطين: سيناريوات انفجار الداخل والفوضى الآتية من الشمال

رأت دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، أنه لا يوجد في الشرق الأوسط اليوم دولة عظمى، بإمكانها أن تجري توازنات وتعاوناً دولياً من أجل إحداث تهدئة إقليمية، فالولايات المتحدة لا تتحرك من دون تحالفات دولية في العراق، أو مع دول في المنطقة في سورية، وروسيا تبذل جهوداً لزيادة تأثيرها في المنطقة من خلال سورية. لكن الكابوس الذي يؤرق ضباط «أمان» حالياً، هو عدم تمكن الاستخبارات الإسرائيلية من رصد ما أسمته «موجة تسونامي» تحمل جهاديين، وربما دولاً متضررة من السياسة الأميركية، مثل إيران، إلى داخل إسرائيل، وفقاً للتقديرات التي استعرضها المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، يوم الجمعة الثاني من كانون الثاني (يناير) 2015.

في هذا الإطار، تفيد التقديرات الأمنية الإسرائيلية لعام 2015، بأن احتمال اشتعال الأوضاع في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وحتى في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، واردة خلال الشهور القريبة. ووفق ما ذكر فيشمان، فإن «تقديرات شعبة الاستخبارات في القيادة العامة «أمان» لعام 2015 تشير إلى احتمال تجدد المواجهات المسلحة مع غزة والضفة الغربية بدرجات متفاوتة، خلال هذا العام». واعتبر المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، أن خطأ في الاتصال بين إسرائيل و «حماس»، «مثلما حدث بمقدار كبير عشية نشوب الحرب في الصيف الماضي»، ما زال من شأنه أن يؤدي إلى انفجار الوضع، الأمر سيخيم على معركة الانتخابات العامة الإسرائيلية القريبة. على أن الوضع الحالي في القطاع، ليس مختلفاً كثيراً عن الظروف التي سادت فيه عشية العدوان الأخير، وعندما جرى وقف إطلاق النار، في نهاية آب (أغسطس) الماضي، كانت تسود القطاع توقعات كبيرة، بدءاً من رفع الحصار وترميم الدمار وإقامة ميناء ومطار. إلا أن شيئاً من هذا لم يتحقق بعد، ورأى هارئيل بالعرض العسكري الذي نظمته «حماس»، في ذكرى تأسيس الحركة، رسالة إلى إسرائيل مفادها «إما الترميم أو الانفجار».

ولفت هارئيل إلى تطور حاصل أخيراً، وهو أن «حماس» تعمل على ترميم علاقتها مع إيران تدريجاً، وذلك من خلال المديح الإيراني لها على صمودها أثناء الحرب الأخيرة، وتقديم «حماس» الشكر لإيران على تسليحها في الماضي.

وفي استعراض لتقديراتها للعام الحالي (2015) أمام هيئة الأركان العامة، أخيراً، قالت «أمان» ما ملخصه أن الفوضى الحاصلة في العالم العربي، خصوصاً الحرب في سورية، وتمركز مسلحين من تنظيمات الجهاد العالمي وتنظيم «داعش» عند حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية، ولعب أميركا بنار خفض أسعار النفط، جميع هذه الأمور من شأنها أن تهدد إسرائيل.

وأضافت التقديرات أن سورية المتفككة، يسيطر نظام بشار الأسد على 20 – 30 في المئة منها فقط، وباقي المناطق عبارة عن كانتونات تسيطر عليها تنظيمات مسلحة معتدلة ومتطرفة – إرهابية، وجميع هذه الجهات تتحارب. وتتحسب إسرائيل كلما اقترب القتال في سورية من مرتفعات الجولان المحتل، ومن احتمال تسربها إلى الجولان أو حتى أعمق من ذلك.

والتوقعات في إسرائيل تتوجس من أن إيران قد «تكسر قواعد اللعبة»، لا سيما بعد عملية القنيطرة بالجولان، حيث يتوقع أن يتم تنسيق رد «حزب الله» على عملية نوعية من هذا القبيل مع أعلى مستويات السلطة في طهران، وأن «خيبة الأمل من الرئيس حسن روحاني سيعيد حرس الثورة إلى الحكم في طهران»، الأمر الذي سيكون له «تأثير مباشر فوري في الجبهة الشمالية».

أما لجهة أسعار النفط، فقد اعتبرت تقديرات «أمان» أن انهيار أسعار النفط لن يؤثر في السعودية ودول الخليج، لكن تأثيره سيكون كبيراً في إيران والعراق وليبيا، إلى درجة خلق تهديدات للأنظمة فيها، وتعميق الفوضى في المنطقة. كما توقعت التقديرات أن يكون تأثير انهيار أسعار النفط، في حال استمراره، في روسيا، ما قد يدفعها إلى تغيير سلوكها لجهة التصعيد، خصوصاً أنها تعتبر هذا الانهيار مؤامرة أميركية ضدها.

أخيراً رأت «أمان» وجود أربعة معسكرات في الشرق الأوسط تتحارب مع بعضها:

أولاً: المحور الشيعي الراديكالي، ويشمل إيران وسورية و «حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» والحوثيين في اليمن. ويحاول هذا المحور تقريب «حماس» منه.

ثانياً: المعسكر المعتدل، ويضم مصر والأردن والسعودية ودول الخليج، وانضمت إليه قطر أخيراً. وبإمكان هذا المعسكر إبعاد «حماس» عن إيران.

ثالثاً: الذّراع السياسية لـ «الإخوان المسلمين»، في غزة وإسرائيل والأردن ومصر وسورية. وتقدر «أمان» أن تظاهرات (الإخوان) ستعود إلى الميادين في مصر والأردن.

رابعاً: تنظيمات الجهاد وتشمل «داعش» و «جبهة النصرة» و «أنصار بيت المقدس» في سيناء، كذلك تشمل عشرات التنظيمات الصغيرة التي تدور في فلكها. ووفقاً لـ «أمان»، فإن جميع هذه المعسكرات تتحارب في ما بينها، بينما «إسرائيل لا تزال المراقب، حتى الآن، وتتلقى شظايا من حين لآخر».

أخيراً، هناك تهديد آخر تتخوف منه إسرائيل، وهو «السايبر»، أي الحرب عبر الفضاء على شبكة الإنترنت، وتأخذ «أمان» في حساباتها احتمال مهاجمة شبكاتها العسكرية والمدنية.

قبل أيام قام اثنان من الباحثين الكبار في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بصوغ تصور لثلاثة سيناريوات ما بعد الحرب على غزة.

السيناريو الأول يتوقع توسيع نطاق العمليات القائمة: يمكن نقل – وعبر مساعدة ممثل الأمم المتحدة – المزيد من مواد البناء والبضائع والاحتياجات الأخرى المطلوبة لأساسيات الحياة وإعمار تدريجي للبنايات السكنية في شكل مراقب ومدروس، ولكن ذلك لن يكون كافياً لتغطية احتياجات قطاع غزة، والمطلوب من إسرائيل أن تجد طريقة للتنسيق مع «حماس» في شأن توسيع مسافة الصيد البحري، والتوصل إلى اتفاقات واضحة بما يخص دخول الفلسطينيين إلى مناطق الباروميتر الأمني، والمساعدة في ترميم البنى التحتية (مثل الكهرباء والماء والمجاري) في القطاع.

السيناريو الثاني يركز على استيعاب السلطة الفلسطينية ما يجري في القطاع بالتنسيق مع مصر والدول العربية البراغماتية والمجتمع الدولي: هذا الخيار من شأنه أن يوفر الظروف لتوسيع مسؤولية السلطة الفلسطينية في القطاع وقيادتها عملية الإعمار الواسعة بدعم من الدول العربية والمجتمع الدولي، بالتالي وضع حجر الأساس لاختبار قدراتها، ولكي يتحقق مثل هذا الخيار، فإن على إسرائيل أن تبادر بخطة سياسية، أو أن تستجيب للمبادرات الداعية إلى تجديد العملية السياسية.

وفي شأن السيناريو الثالث، يمكن تنفيذ خيار الانفصال التام عن قطاع غزة، وذلك عبر مبادرة إسرائيلية لعملية تقاد من طريق المنظومة الدولية، وتدار بدعم من الدول العربية، والذي يتضمن فتح القطاع على العالم، وتخفيف ارتباط القطاع بإسرائيل إلى حين التوقف التام عن كل ما يتعلق بتزويده البضائع والمتاع، وفي هذا الإطار المطلوب هو إقامة ميناء بحري مقابل شواطئ غزة يلبي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، مركب حيوي في هذا الخيار هو التنسيق المحكم مع مصر لمنع تقدير خاطئ من ناحيتها للأمر بأن إسرائيل تعمل على زج القطاع نحوها، ربما يقود فشل هذا الخيار إلى خيار انتقال القطاع إلى الوصاية الدولية.

أما في مناطق الداخل الفلسطيني، أي فلسطين المحتلة عام 1948، فإن الوضع لا يقل اشتعالاً، واحتمال انفجاره مجدداً في وجه التجاهل الحكومي الإسرائيلي لمطالب المواطنين الفلسطينيين، . وإذا ما أضفنا ما جرى في الجولان أخيراً، نكون بالفعل أمام لوحة معقدة من تداخل قوى الصراع والحرب في المنطقة، خصوصاً إذا جاء رد «حزب الله» قاسياً وموجعاً، ربما يؤدي إلى تفجير حرب إقليمية واسعة، لا نية للانجرار نحوها لدى أطرافها كلها.

+ -
.