في الطرف الآخر من المدينة

كَتَبْت لهُ في رسالة لا تعرف إن كانت ستصله يوما..:

عشقي.. وجعي.. معبودي.. دمعي… الساعة الآن هي الرابعة والربع فجرا. توضيت وافترشت سجادة الصلاة باتجاه القبلة.. وجثوت على ركبتي واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، ورجوته ان يغفر لي.. وأن يساعدني على أن أشفى منك.. من شقى روحي بغيابك.. ودعوت عليك بأن يُبليك خالقي مثلما أبليتني.. بقولي ايها المُنتقم .. خذُ بثأري منهُ، ثم استغفرتهُ مجددا، وتضرعت اليه بخشوع بأن يُحسن اليك، ويطيل عُمرك، ويجود عليك بطيب الحياة، وينهيك عن الحرام. وأنهيت صلاتي بـ “ربي أجمعني فيه.. بحق انبيائك وملائكتك، فأنت على كل شئ قدير..”.

هكذا أنا يا وجعي لم اعتد غيابك حتى الآن بالمطلق، واظنني أحيانا سأصحو من هذا الكابوس المقيت، كابوس غيابك..

هجرانك لي أدمى مُقلتيَّ ، وأجهضني من رحم الحياة. هجرانك لي كان إعدام لتفاصيل حياتي عمدا. قتلا مع سابق الإصرار والترصد. غيابك أماتني، أذلني.. بُعدكَ عني يتْمني.. اسقاني المُر سهوا. اخ يا عشقي لا أعلم لماذا تنتابني حالة مُلحة على ان اكتب اليك الليلة على ورقٍ ناصع البياض، فأنا لم اعتد ان اكتب اليك سوى غيبا، وارسل خُطبي مع نسمات الريح، وفتات المطر..

مضى شهران على انقطاعك عني، وانقطاع الحياة في عروقي.  لم اعلم ان الغياب فاجعة الفواجع، وإن مقولة من هو بعيد عن العين بعيد عن القلب، ما هي الا سخافة لا اعلم من أطلقها الى الملئ.. عشقي: أتسأل ما انت بفاعل الآن وانت في الطرف الآخر من المدينة..

هل تفتقدني؟! هل تركت حيزا في امكنتك؟!

هل تشتاق لعطري؟ لرسائلي النصية؟

لجنوني لغضبي لصوتي.. هل اشتقتني ولو بعضا؟؟!؟؟

تؤلمني معدتي.. ربما لأني تناولت ثلاث حبات من مضادات الاكتئاب اليوم .. وأشعر بوخزٍ في صدري قد اعتدتهُ مؤخراً. كإنما قلبي الأحمق يذكرني بارتياب بيتمهِ في غيابك..

شرّعتُ دفتيّ نافذتي المُطلة على البرج الكبير..

وجعلت الهواء يصفق وجهي، وينفث بشعري الأسود، شعري الذي لطالما توسلتني ان لا اقصهُ، لانك تعشقه. كنت دائماً تقول لي عندما استفزك بموضوع قصهِ: “يا هبله الأنثى ما هي أنثى لو قصت شعرها، شعر البنت حلاها”

هل تذكر؟

يزداد الألم في صدري، وخدر يصيب شفتاي.. ربما لأنني مُرهقةٌ من قلة النوم.. الساعة الآن الخامسة إلا ربع فجرا بتوقيت مكة.. وبدء ضوء النهار بقسوتهِ وصلابتهِ بالظهور.. أتعلم يا مهجّع عُمري!؟؟؟؟

اشعر أحيانا ان كل ما حولي متواطئ معك بمؤامرة لإيلامي.. والكل حليفك.. الحياة ، والطبيعة ، والسماء ، هل لأنهم إناث وانت عشْقُ جميع الإناث؟!!

حبيبي سأتوقف عن الكتابة الآن، سأحاول ان أغفو قليلا..

في تمام الساعة الخامسة فجرا ، في الطرف الآخر من المدينة نهض جمال مرتعبا، وعرق قد أمطر من مسامه. شعر بأن قلبهِ ينفطر ، تناول الهاتف من على يمناه ، وبصوتٍ مرتجف تمتم خير الله اجعلو خير … فتح هاتفه، الساعة الخامسة فجرا ، لا رسالة نصية منها ، لا مكالمة هاتفية لم يلحظهْا مساء امس لا شئ منها على الإطلاق ، كتب إليها بأنامل ترتجف اشتقت اليكِ يا زهرتي..

وارسل الرسالة إليها .. انتظر ردا منها لم يأت. حاول مجاهدا النوم لكنه لم يفلح.. فوضع هاتفه جانبا، ارتدى ملابسهُ الرياضية ونزل الى الشارع ليركض..

ركض ساعة، بقلبٍ مقبوض .. وحزن مطبق ..

رجع الى شقته في الطرف الآخر من المدينه.. اغتسل وشرع نوافذ غرفته.. وفتح حاسوبه النقال على موقع الفيس بوك.. علّهُ يلمح شيئا عنها، في صفحات صديقاتها، بعد ما حذفت هي.. صفحتها وامتنعت عن تداوله، بمحاولة لمعاقبتهِ، بغيابها عن شاشة حاسوبه الصغير.. فقد اشتاق ملامحها عيناها انفها المدبب.. شعرها .. غُنجها ، طفولتها، طيبتها ، جنونها.. إشتاق لها حد الارتياب.. حد مقاومة كبريائهُ ومراسلتها..

وما أن فتحَ صفحتهِ على الفيس بوك في تمام الساعة الثامنة صباحا ، حتى وجد صورة لعشقة التي عنفها نفسيا لمدة شهرين طوال.. ونعوة وفاة منشورة في الصفحة الرئيسية ،

يا أيتها النفس المطمئنة عودي الى ربك راضية مرضية..

انتقلت الى رُحماهُ تعالى الزميلة (هيفاء خير)

عن عمر يناهز الرابعة وعشرين ربيعا جراء أزمة قلبية حاده..

وقد وافتها المنية فجر صباح اليوم الساعة الخامسة صباحاً ..

وسيتم العزاء في مجلس ال خير .. غداً السبت… لها الرحمة ولكم من بعدها طول البقاء.

انتهى..

 

تعليقات

  1. لا اتوقف عن التمتع في هذا الكلام, اي مفكره هي اللتي ابتكرت هذا المقال, ولماذا دخلت الى تفاصيلي الصغيره, وما بقي لي كي اكتب بعد ان قرات كتابتك, لن اكتب الكثير تكفيني كلمه رائع وجميل …

  2. رائع .. تعابير بمنتهى الروعه واسلوب شيق ” ودعوت عليك بأن يُبليك خالقي مثلما أبليتني.. بقولي ايها المُنتقم .. خذُ بثأري منهُ، ثم استغفرتهُ مجددا، وتضرعت اليه بخشوع بأن يُحسن اليك، ويطيل عُمرك، ويجود عليك بطيب الحياة، وينهيك عن الحرام. وأنهيت صلاتي بـ “ربي أجمعني فيه.. بحق انبيائك وملائكتك، فأنت على كل شئ قدير..”.” …. هذه الجملة ذكرتني بنزعتيّ الخير والاحسان الموجودة بالانسان , وقد غلبت هنا نزعة الخير .. أحببت كلماتك شهرزاد .. ثابري ..

  3. مشاعر حزينة مدفونة تصل بسهوله الى القلب حتى انها ترتسم قصة حقيقية امام ناظري كلام رائع ومؤثر الى الامام. ……

  4. شيقه هى كتاباتك ، ومن فيض مشاعرك اضيع بين كلماتك عتب وحزن غضب ورائفه جنون وغنج. عندما قراتها اول مره اردت البكاء،ولكن المره الثانيه تذكرت نكته عندما اتصلت فتاه بحبيبها وقالت عملت حادث ومتت ارتحت اسا.

  5. تعابيرك اكثر من رائعه .. نحن بالفعل أمة حزينه تهوى البكاء على الاطلال … جذور الحزن راسخه بأعماقنا لا تثمر سوى أشد ألآلم … بلهفة نترقب الفرحه كألامنيه البعيده نسعى جاهدين للوصول اليها ومع ذلك لا تدوم طويلا تماما كالازهار سرعان ما تذبل لتندمج مع باقي أشباح أحزاننا … فمن منا يا ترى يعشق الآخر نحن ام الاحزان ؟ شهرزاد..كانت وما زالت ابجدياتك تنير الدنيا بجمالها الابدي..أتمنى لك الحب بمستوى مشاعرك الرائعه .

  6. أشعر بكلماتك الرائعة المهداة إلى كلِّ شخص يقاسمنا لحظات العمر والماضي الجميل ويصبح الجزء الّذي لا يتجزّأ منّا، مهما حاولنا انكاره وتجاهله والهروب من ذكرياته…
    أمتلكتني كلياً…

    1. كم تحمل كلماتك من احزان واوجاع واهات كلماتك المعبره تدخل القلب دون استئزان كم اعتدنا على كتاباتك الجميلة والرائعه استمري بهذه الروعه والتألق والابداع لاننا لن نقبل منك يا شهرزاد منك يا عظيمة الا كتابات بهذا المستوى

  7. نحن نحب الحزن لنجعل منه لذة في إلامنا.. وبقدر ما نتألم نشعر أننا ننقي داخلنا.. الألم لا يصنع المعجزات.. وﻻ يعيد الأموات.. إنما يقتل بأوهامه من كان قربنا.. لنتلذذ برؤيته ينزف أمامنا لمجرد أننا نحب أن نتألم.. غير آبهين بذاك الذي يدفع ثمن أوهامنا..
    ﻻ أحد يجبرنا على اعتناق الألم نحن نرتديه بملئ إرادتنا..
    جميلة كتاباتك كما اعتدنا ورائعة تعابيرك..
    إخلعي الحزن وارتدي ثوبا من أمل.. عله يشفيكي من قصر النظر الذي تعانيه.. ويفتح أمامك نافذة الحياة التي لم تنجحي في التقاطها حتى الآن..

التعليقات مغلقة.

+ -
.