قلم سعيد عقل يتوقف عن الكتابة للأبد

توفي صباح الجمعة الشاعر اللبناني سعيد عقل الذي يعد أحد أبرز الوجوه الشعرية والأدبية في لبنان والعالم العربي، عن عمر يناهز الـ102 عام.

وولد عقل الذي يعتبر من أبرز الشعراء العرب المعاصرين في شرق لبنان عام 1912 وعمل في التعليم والصحافة وكان من اعظم الشعراء المعاصرين ولقب بالشاعر الصغير لانه كان شاعرا منذ طفولته.

وولد الشاعر اللبناني في مدينة زحلة اللبنانية، وكان يعتزم التخصُّص في الهندسة، إلاّ انَّه وهو في الخامسة عشرة من عمره خَسِرَ والده تحمّل مسؤولية ضخمة وأعباء بيتٍ عريق، فمارس الصِّحافة والتعليم.

واستقر بعدها في بيروت منذ مطلع الثلاثينَّيات وكَتَبَ بجرأة وصراحة في جرائد “البرق” و”المعرض” و”لسان الحال” و”الجريدة” وفي مجلَّة “الصَّيّاد “.

ودرّس في مدرسة الآداب العليا، وفي مدرسة الآداب التابعة للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، وفي دار المعلمين، والجامعة اللبنانيّة.

كما درّس تاريخ الفكر اللُّبناني في جامعة الرُّوح القُدُس وألقى دروساً لاهوتيَّةً في معهد اللاّهوت في مار انطونيوس الأشرفية.

وكان الشاعر المخضرم قرأ روائع التُّراث العالميّ شعراُ ونثراً، فلسفةً وعلماً وفناً ولاهوتاً، وتعمّق في اللاّهوت المسيحيّ حتّى اصبحَ فيه مرجعاً.

ومن مؤلفاته “بنت يَفتاح” أولى مسرحيات لبنان الكلاسيكيّة والتي نالت جائزة “الجامعة الأدبية”، و”المجدلية” التي بمقدّمتها غَيَّرت وجه الشّعر في الشرق و”قدموس”، و “رِنْدَلى”، و”مُشكلة النخبّة” و”لبنان إن حكى”، و”أجمل منك؟ لا… “، و’يارا’ و”أجراس الياسمين”، و”كتاب الورد” و”قصائد من دفترها”، و”دُلزى”.

وكان شاعرا يؤمن بسلطان العقل، ووصل بالقصيدة العمودية الكلاسيكية إلى أعلى المراتب. فتغنى بالوطن، وتغنى بالمرأة بنبل وبعذوبة، ولم يكن غزله مبتذلا.

وكتب الشاعر اللبناني خماسيّات الصبا باللغة الفصحى، وصدر سنة 1992، وهذه الخماسيّات باللغتين اللبنانيّة والفُصحى تمثّل ذُروة الكثافة في المضمون وله عدّة دواوين مخطوطة وجاهزة للطَّبع.

وأروع ما لخص حب سعيد عقل للحياة والابداع قوله :”اقول: الحياةُ العزمُ، حتى إذا أنا انتهيتُ تَوَلّى القَبرُ عزمي من بَعدي”.

وتميز شعر عقل بالتجديد وكتب قصائد عدة خص بها البلدان العربية غنت فيروز منها: “سيف فليشهر” و”غنيت مكة” و”أحب دمشق” و”شط الاسكندرية”.

وتغنى سعيد عقل بالاردن عبر قصيدته الشهيرة التي غنتها فيروز: ‘أُردن أرض العزم أغنية الظبا/نبت السيوف وحد سيفك ما نبا’.

ومن الاردن، ننتقل الى القدس التي اشتهرت من خلال أغنية فيروز وكلمات عقل بلقب “زهرة المدائن”.

وكتب الاديب الكبير أيضا أجمل الأناشيد التي تمجد دمشق الشام.

كما غنت فيروز عدة أغاني من شعر سعيد عقلها، أهمها: “زهرة المدائن” و”يارا” و”بحبك ما بعرف” و”أمي يا ملاكي”.

وأطلق الشاعر اللبناني على فيروز لقب “سفيرتنا إلى النجوم” للدلالة على رقي صوتها وتميزه.

ويعتبر عقل شاعر الحب بامتياز وله صولات وجولات في الشعر الفصيح وغير الفصيح والكتابات التي تصف المحبين بأحسن صورهم.

وكانت زحلة احتفت بشاعرها الكبير في مهرجان تكريمي أقيم بمناسبة وضع حجر الأساس لمركز سعيد عقل الثقافي وبمبادرة من بلدية زحلة – المعلقة.

واعتبرت وزارة الثقافة في بيان لها أن سعيد عقل عمارة وطنية تسري عظمة لبنان في عروقه، فتروي افتخاره بالأرض التي يعشق ويروي، هو التاريخ بما يعرف ويحكي عن هذا الوطن الأسطورة.

وقالت: “هذا الذي طوّع الأبجدية وحاكها كالساحر جمال شعر لا يضاهى، تبنى اليوم على إسمه واحة ثقافية، لعلها تقارب، ولو من بعيد، ما يتلاطم في صدره من شغف أدبي ساطع، وحرية فكر من معدن العمالقة، وثقافة موسوعية تراكمت من ابحار عميق خلف حدود الكلمة والكتاب”.

وتمكّن شعر سعيد عقل من خلال مضمون أعماله وبناها العَروضيّةَ وصورها ولغتها أن يخلق تماسكًا وتجانسًا نادرًا ما بلغهما الشُّعراء العرب في القرن العشرين، ويعتبر أحد أوائل الشُّعراء الحقيقيّين في مجال الحَداثة الشعريّة.

ولسعيد عقل الكثير من المؤلفات الأدبية والشعرية، ترجم بعضها إلى الفرنسية والإنكليزية، وكان شعر سعيد عقل مفعما بالرمزية، وكانت قصائده خالية من التفجع، وكان شعره يتسم بالفرح ويخلو من البكاء.

وقال يوما: “في شعري شيء من الرمزية، لكن شعري أكبر من ذلك، يضم كل أنواع الشعر في العالم، هؤلاء الذين يصدقون أنهم رواد مدرسة من المدارس ليسوا شعراء كبارا، الشعراء الكبار هم الذين يجعلون كل أنواع الشعر تصفق لهم”.

وأنشأ عقل سنة 1962 جائزة شعرية من ماله، تمنح لأفضل صاحب أثر يزيد لبنان والعالم حباً وجمالاً.

ويعتبر سعيد عقل من أكبر دعاة القومية اللبنانية وقد ساهم بشكل كبير في تأطير فكرها الإيديولوجي، حيث انه كان في 1972 من مؤسسي حزب التجدد اللبناني كما كان يعتبر الأب الروحي لحزب حراس الأرز .

وكانت للشاعرالمعمر مواقف سياسية مثيرة للجدل خلال الحرب اللبنانية، حيث كان ضد الوجود المسلح للفلسطينيين في لبنان، كما رحب في الصفحة الأولى لجريدته التي أصدرها باسم “لبنان”، بالجيش الإسرائيلي خلال اجتياحه للبنان عام 1982.

+ -
.