لدى البشر قدرة فطرية على تعلم اللغات

يقوم الإنسان بالغريزة بتنظيم لغة جديدة، وفقا إلى التراتب والتسلسل المنطقي، وليس ببساطة عن طريق تعلم أي هي الكلمات التي تنسجم مع بعضها البعض، كما تفعل برامج الترجمة الكومبيوترية. ومثل هذا الاكتشاف من شأنه إضافة مزيد من الدعم إلى فكرة أن البشر يملكون «قواعد نحوية بنطاق شامل»، أو قدرة فطرية على استيعاب اللغات.

الفطرة واللغة إن وجود مثل هذه القواعد النحوية الشامل كان محط نزاع ساخن بين اللغويين منذ أن اقترح نعوم تشومسكي هذه الفكرة قبل نصف قرن من الزمن. فإذا كانت هذه النظرية صحيحة، فإن من شأن مثل هذا التركيب الفطري أن يترك بعض الأثر في كيفية قيام الناس بتعلم اللغات.

 

ولاختبار هذه الفكرة قامت جينيفر كالبرستون اختصاصية اللغات في جامعة «جورج مايسون» في فايرفاكس في ولاية فيرجينيا الأميركية وزميلها ديفيد أدجار من جامعة «كوين ماري يونيفرستي» بتركيب «لغة نانوية مصغرة» «nanolanguage» صناعية.

 

وقام الباحثان بمواجهة المتطوعين من المتحدثين بالإنجليزية بعبارات مؤلفة من كلمتين، مثل «أحذية زرقاء» «shoes blue»، و«حذاءان اثنان» «shoes two» التي من المفترض أن تخص لغة جديدة لكنها شبيهة بالإنجليزية. وبعد ذلك سألا المتطوعين للاختبار ما إذا كانت «حذاءان اثنان زرقاوان» «shoes two blue»، أو «حذاءان زرقاوان اثنان» «shoes blue two» هي العبارات الصحيحة المؤلفة من ثلاث كلمات.

 

ولدى تقديم هذا الخيار يكشف المتطوعون الذين لم يتعرضوا لأي عبارات من قبل، مؤلفة من ثلاث كلمات، عن انحيازهم وميلهم الفطري الغريزي، أو بالسليقة، لدى تعلمهم اللغات. فهل هم يعتمدون على المألوف، أي الدارج باللغة، أو إنهم يتتبعون التراتبية الهرمية الدلالية للألفاظ، ووضع كلمة «زرقاء» بجانب «أحذية»؟

 

إن الناس تختار عادة تجميع الكلمات عن طريق هذه التراتبية الدلالية في ثلاثة أرباع الوقت. وهم أكثر ميلا لاستخدام عبارات مثل «هذه الأحذية الزرقاء»، بدلا من «هذه الزرقاء الأحذية». وهذا ما يبين أن المتطوعين يعتمدون على التراتبية الداخلية، وليس فقط مجرد تعلم قلب ترتيب الكلمات، وفقا إلى كالبرستون.

 

وهذا الاكتشاف يبين بأن أدمغتنا تتعلم اللغة بأسلوب أكثر تعقيدا من مجرد البحث ببساطة عن أي هي الكلمات التي تتماشى مع بعضها البعض تسلسليا، كما يقول جيفري ليدز اللغوي بجامعة «ماريلاند». وهذا من شأنه إضافة المزيد إلى الجدل الحاصل حول «النحو الشامل». «فبالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يعتقدون بفكرة تشومسكي، فإن هذا قد يسجل تحديا»، كما يقول.

 

ولكن لا يتفق الجميع على ذلك. لأن عقولنا تميل إلى تجميع المزيد من الأشياء المشابهة سوية، وفقا إلى مجالات وحقول كثيرة ومتنوعة، استنادا إلى أديل غولدبيرغ اللغوية في جامعة برنستون. ففي محلات البقالة تجد على سبيل المثال التفاح بجانب البرتقال، لا إلى جانب اللحوم مثلا. فالميل إلى تجميع الصفات قرب الأسماء قد يعكس هذا الميل الطبيعي، وليس أي خاصية شاملة باللغات بنوع خاص، كما تقول.

 

وكانت دراسة أخرى قد نشرت أخيرا تلمح ظاهريا إلى جانب فطري آخر فيما يتعلق باللغات. فقد قام ديفيد غوميز الأخصائي في العلوم العصبية في جامعة شيلي في سانتياغو ورفاقه بقياس تدفق الدم في أدمغة 24 من الأطفال حديثي الولادة وهم يستمعون إلى تسجيلات لمقاطع لفظية منطوقة، لكنها لا تعني شيئا. وهذه المقاطع تختلف في خاصياتها اللغوية وتدعى «المصوتية»، أو «المسماعية»، أي مقياس قوة السمع للحروف الساكنة التي تسبق وتلي إحداها الأخرى بكل سهولة.

 

وقد أظهر التغيير في تدفق الدم، أن بمقدور الأطفال التمييز بين المقاطع اللفظية للحروف الساكنة المشكلة جيدا، وبين المقاطع الأخرى الضعيفة التشكيل. ولكون الأطفال هؤلاء لم يسمعوا الكثير من الكلام في حياتهم الوجيزة، ومن أنهم بالتأكيد لم يحاولوا قط لفظ هذه المقاطع بأنفسهم، فهذا يدل على وجود حساسية فطرية لديهم بالنسبة إلى الحروف الساكنة، وفقا إلى غوميز.

 

واستجابة إلى استفسار موجه من مجلة «نيو ساينتست» إلى نعوم تشومسكي، ذكر الأخير أن مثل هذه التقارير تضيف أدلة قليلة إلى ما هو واضح وجلي جدا، تماما مثل إضافة قشة إلى جبل كبير.

+ -
.