مأزق الجولان.. والجولانيين

ايمن ابو جبل

لا شك أن الحرب السورية شكلت منعطفا هاماً، ليس في التاريخ السوري والعربي والعالمي فحسب، وإنما في تاريخ الجولان. فإن كان الهمس في أوساط الجولانيين حول قضايا مصيرية وجوهرية ينحصر سابقا بأربعة عيون وداخل غرف مغلقة، فإنه اليوم قد تحول إلى حديث علني واضح في صفوف الجولانيين على اختلاف فئاتهم، مفاده بأن الواقع قد تغير والوقائع قد انقلبت رأسا على عقب. وأن عدم انخراط الجولانيين في الأرض المحتلة في مستنقع الحرب السورية، بفعل “وفضل” وقوعهم تحت الاحتلال الإسرائيلي، قد شكل “نعمةً” عليهم وعلى أولادهم، وجنبهم تجارب الجوع والمجاعة والقتل والاعتقال والنزوح القسري، والتدمير والقصف “والموت الرخيص”، بل “الموت المجاني” الحاصل يوميا في معظم المدن والقرى السورية، رغم ما حملته تلك الحرب من صور فظيعة في نفوسهم، وتعبيرات قاسية جدا في صدورهم، عكست ذاتها على العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، وخاصة في السنوات الأولى من الثورة السورية، وما أفرزه انقسام الشارع الجولاني بين موالٍ ومعارض للنظام المتمسك بالسلطة في سوريا، رغم كل شلالات الدم السوري النازفة.

لقد دأب الجولانيون سابقا، فيما بينهم وعلى الملأ، الإعلان بالخطاب والممارسة والقول والفعل، وفي كل مهرجان واحتفال ولقاء وحديث شخصي، على تأكيد انتمائهم للوطن الأم سوريا، مهما طالت سنوات الاحتلال الإسرائيلي، التي تقترب من الخمسين عاماً، كان الجولان خلالها مُغيبا ومُهمشاً بالوعي السوري الرسمي. وباستثناء قلة قليلة في الشارع الجولاني، جاهرت بعدم رغبتها العودة إلى دفء الحضن الوطني السوري، واختارت، رغم الحرمان الديني والاجتماعي والسياسي، حمل الجنسية الإسرائيلية، وإعلان الرغبة بالعيش تحت ظل العلم الإسرائيلي، ورهنت مصيرها ومستقبلها معه. من دون أن تتعرض لأي اعتداء أو أذى جسدي ومادي من قبل الأغلبية الساحقة من مواطني الجولان، الذين اكتفوا بعقابهم بفرض الحرمان والمقاطعة عليهم منذ أكثر من ثلاثة عقود زمنية. ومنذ ذاك الوقت ولغاية الآن لم تنمو في الساحة الجولانية، والحمد لله، ثقافة القتل والاغتيال والجريمة، أو حمل السلاح لأسباب سياسية أو أمنية، رغم اختلاف الآراء والأفكار ووجهات النظر في القضايا الاجتماعية والوطنية الكبيرة، عدا حالات معدودة ومحددة مورس فيها العنف الجسدي، استهدفت بعض مؤيدي  ثورة الشعب السوري.

ولطالما كان تناول القضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية الكبيرة في الجولان من المحرمات والمقدسات، إلا أن انحصار واختفاء الفعل الوطني لرموز تلك الحقبة التي صنعت هذا التاريخ، ألغى القداسة حولها، في ظل عدم وجود برامج وطنية واجتماعية بديلة للواقع المجنون الذي يحيط بنا. ومن تلك القضايا تبرز قضية المجالس المحلية والجنسية الإسرائيلية والخدمة المدنية أو العسكرية، وإقحامها بالوعي العام الجمعي والفردي في الجولان، وإخضاع تلك المجالس وأعضاءها ورؤساءها إلى شكاوى قضائية تتعلق بإعادة هيكليتها التنظيمية والإدارية بقوائم انتخابية أو تفويضية، وإخضاعها إلى مساءلات اجتماعية وقضائية، من قبل مواطنين أخرين من البيئة الاجتماعية الجولانية ذاتها.. إضافة إلى الاعتياد على الأحاديث العلنية حول “الحرية الشخصية” للأفراد من المجتمع الجولاني بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، والخدمة المدنية أو العسكرية، خاصة في ظل الوجع الوطني والشخصي الذي يرافق القضية السورية، وما أفرزته منذ خمسة أعوام من انهيارات معنوية ووطنية وثقافية، في نفوس معظم أهالي الجولان…

انقسم الجولانيون المهتمون حول تلك القضايا الكبيرة اجتماعيا وسياسيا، بين المؤيد والمعارض، وسيتعمق الانقسام والاختلاف أكثر مع أي تغيرات مستقبلية، كلما ارتفع منسوب “الاسرلة الهادئة” التي يشهدها الجولان في السنوات الأخيرة، وتعويم المنظومة الإدارية والقضائية والمدنية والتربوية “والطائفية” والسياسية الإسرائيلية داخل المجتمع الجولاني، وفي ظل ابتعاد وانحصار العمل المؤسساتي الوطني “البديل”. ففساد المجالس المحلية وإدارتها وميزانياتها، والفترة الزمنية التي يشغلها هذا الشخص أو ذاك، والصراع القضائي الجاري حولها هذه الأيام، قد لا يعني الكثيرين في الشارع الجولاني، بقدر ما يعني بعض المجموعات والإفراد التي لم تستطع بعد نيل شرعية لها من المجتمع، لتمثيله أمام القضاء الإسرائيلي، كما لم تستطع المجالس المحلية  ذاتها بعد نيل الشرعية الاجتماعية، لتعارضها مع بنود الوثيقة الوطنية الصادرة قبل ما يزيد عن 35 عاماً. رغم ما تحمله تأثيرات الحداثة وطوفان وسائل التواصل الاجتماعي من ردود وتفاعلات، تظهر في إطار تهكمي أو مجادل أو منتقد أو متطاول على الرموز الوطنية، من قبل البعض في الفضاء الالكتروني، والتي لم تكن مؤثرة فعليا على عقلية الناس بعد. وخاصة رواد الجيل الأول من الناشطين والفاعلين، الذي يعاني اليوم من التهميش والتقزيم والتجاهل، في غياب  وعجز تصوراته وخططه وبرامجه السياسية والاجتماعية، التي ميزت المراحل السابقة في مسيرة المجتمع الجولاني، ذاك الجيل  الذي شكل إلى ما قبل سنوات قليلة صمام الأمان قولا وفعلا للأجيال والقضايا الجولانية الكبيرة والشائكة.

اختلفت صورة الجولان، في السنوات الخمس الأخيرة، عن  تلك الصورة التي تشكلت في الوعي والذاكرة المحلية والعالمية والإسرائيلية؛ تلك الصور التي رافقتنا كجولانيين سوريين في مواجهة احتلال أجنبي، لطالما عمل على دمجنا في منظومته وفلكه دون ان يحقق نتائج فعلية فارقة. ورافقت تلك الصور ايضاً الإسرائيلي حصرا، الذي تعامل بواقعية أكثر، وفق حقائق لم تغب مطلقا عن باله يوما، “بان هذه الأرض وما عليها من بشر وحجر وشجر لم تكن إسرائيلية يوما من الأيام، وليست إسرائيلية في ممارسات وطقوس الجولانيين الاجتماعية والسياسية الرسمية، وأكثر من ذلك أجرت كل حكومات إسرائيل المتعاقبة مفاوضات سلمية مع نظام الأسد الأب والابن، لإجراء تسويات مستقبلية حول إعادة الجولان إلى دولته الأم، بشكل يضمن المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية الإسرائيلية في المستقبل المنظور. ولا زال الإسرائيليون  طوال هذه السنوات، يدركون إن إعادة الجولان إلى سوريا مسالة وقت، ونضوج توافقات دولية وإقليمية، تضمن المصالح الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية خاصةً. ولم يخف الإسرائيليون يوما رضاهم وسعادتهم من الهدوء المطلق الذي شهدته جبهة الجولان طيلة نصف قرن من الزمان، قبل عسكرة واسلمة واغتيال الثورة السورية المطالبة بالحرية والعدالة منذ العام 2013، وانسحاب القوات النظامية من خط وقف إطلاق النار على طول جبهة الجولان مع إسرائيل، التي شهدت عدة محاولات لتفجيرها من قبل قوات النظام، بدء من يوم العودة في حزيران 2011 وتوريط الآلاف المدنيين الفلسطينيين والسورين باقتحام خط وقف إطلاق النار، بالقرب من مجدل شمس، وليس انتهاءً بوضع عبوات ناسفة، وسقوط عدة قذائف هاوون داخل الجولان المحتل والمستوطنات الإسرائيلية لأكثر من مرة…

هذه الصور النمطية، المألوفة للشارع والحكومة الإسرائيلية “المعادية بالعرف والوعي الإسرائيلي”،  لم تمنع أبدا حكومات إسرائيل من تخصيص ميزانيات واستثمارات ومشاريع تنموية بملايين الشواقل والدولارات، مُستثمرة جيداً في المستوطنات الإسرائيلية، وبشكل أقل كثيراً في القرى السورية المحتلة المأهولة بـحوالي 24 ألف نسمة، وهم من دافعي الضرائب للخزينة الإسرائيلية، ومن مُتلقي مخصصات التامين الوطني والشيخوخة والولادة والوفاة والمنح المالية، حيث حُظي باهتمام  حكومي وإعلامي إسرائيلي ملفت للانتباه خلال السنوات الخمس الأخيرة. وليس خافيا على أحد اليوم ما تحاول القيام به طواقم الهندسة البشرية الإسرائيلية في مختلف المجالات السياسية والإعلامية والنفسية والاجتماعية والبيئية، من نشر خطاب إسرائيلي  يُترجم بخطوات  عملية ميدانية، تتضمن زيارات ولقاءات رسمية اعتيادية للجولان، وتقارير إعلامية مكثفة، وتقديم مختلف الخدمات الاجتماعية والمساعدات والإعفاءات والتخفيضات الضريبية، وتوسيع خرائط البناء، ومحاولة ربط السكان بمصير الدولة العبرية، من خلال برامج إنمائية وتطويرية وعلمية وتربوية وبحثية، اندماجية، تتقاطع  وتتوافق مع برامج  إتحاد إقليمي لمستوطنات الجولان ومستوطنات الجليل الأعلى، بهدف تطوير أماكن عمل ومجالات تعاون استراتيجي تساهم في تشجيع الاستيطان اليهودي في الجليل الأعلى والجولان، وفي تطوير الزراعة لتتحول إلى محرك نمو اقتصادي في المنطقة.

جزء كبير من تلك البرامج الإستراتيجية  يشمل مختلف فئات المجتمع الجولاني، من الأطفال والطلبة والشبيبة وحتى كبار السن، في مختلف جوانب الحياة،  من ضمنها رعاية وعناية مكاتب الخدمات الاجتماعية الإسرائيلية بمئات العائلات الجولانية التي تواجه ظروفا معيشية واقتصادية صعبة، أو أوضاعاً اجتماعية غير اعتيادية، وتخصيص مئات الوحدات السكنية لأكثر من ألف عائلة في الأراضي المقتطعة لمجدل شمس خلال السنوات المقبلة. برامج حيوية وهامة، هي بحد ذاتها مطلبا شرعي، لن تجد موقفا رافضاً لها، لاستجابتها لمشاكل وهموم وأوجاع المجتمع الجولاني بكافة أطيافه، الذي عانى الآمرين لأكثر من خمسين عاما. وهي مطالب حقوقية بالمطلق لأبناء الجولان، لا يختلف عليها اثنان، وتشرعها لهم القوانين الإنسانية والدولية وحتى الإسرائيلية ذاتها، كاستحقاقات قانونية ومالية عائدة إلى جيوبهم ومصالحهم من نظام  الاحتلال الاقتصادي الذي يستنزف الخيرات الطبيعية والبشرية والمناخية والبيئة، كما أرزاق الناس وإتعابهم في الجولان المحتل، ضمن أولوياته الإستراتيجية، بتوفير الهدوء والأمن لتوفير مقومات وعوامل الحياة للمشروع الاستيطاني القائم على سلب الأرض ونهب خيراتها، ورفد الجولان بآلاف العائلات الإسرائيلية الجديدة، لتكون رافعة قوية لاقتصاد محلي وإقليمي محوره الدولة الإسرائيلية.

أمام تلك الرؤيا الإستراتيجية الإسرائيلية، هل يملك الجولانيون الخيارات والآفاق؟  وما السبل والوسائل التي عليهم انتهاجها في أولوياتهم وأجندتهم بعيداً عن المناكفات والمزاودات والاتهامات والاتهامات المتبادلة، والتقزيم والتهميش، والارتماء الاعمى في حضيض الابتذال والتسليم بقضاء الله وقدره، ومقولة العين لا تقاوم المخرز، وتجاهل الوقائع الحاصلة والتي تحصل في تفاصيل المشهد الجولاني بقصد الاستهتار او عدم المبالاة بمصير المجتمع الجولاني…

تعليقات

  1. اذا كان هذا هوا الواقع المخزي وا المعيب يعرفه اهل الجولان الشرفاء
    انا وكل الشرفاء في الجولان ننتظر من اي فرد ان
    يطرح حل
    ولا يشرح المشكله فقط
    اهل الجولان ضحوا من اجل الجيل الجديد للاسف
    المحامي والمهنس والدكتور وكل من يحمل شهاده
    وووووووووووووووو ما قدرو التضحيه
    ولكن رجال الجولان هم رجال الجولان
    في الماظي والمستقبل ا رجو من الله ان لا يكون هذا
    الخلاف في وجهة النظر عداء
    وهذايكفي لمن يريد ان يفهم الباقي

  2. كل زمن والو ضروف ..متل الطفل مش معقول يكبر ويضل حامل الرضاعه رح يجي يوم ويتركها ..ونحنر مش معقول شايفين سوريا عبتتدمر وصارت تقريبا ممحيه ونضل متعلقين فيها ..سمحلي قلك عشو ?بدنا نتعلق بالوطن انو خلقنا فيه لا مخلقناش فيه شو قدملنا ?بشو فادنا غير الطلاب التعلمت بجامعتها محدا ستفاد شي غير وجعت راس وحكي ولى من زمااااااااااان سوريا صارت شجره يابسه وبلشت توقع وراقها ومنتمنى انو يرجعها الحياه ويرجع الامن والامان بس مصلحتنا ومصلحة ولادنا وامانهن اهم بكثير من هالحكي

التعليقات مغلقة.

+ -
.