ماذا بعد التدخل العسكري الخليجي في اليمن

انتقال الأزمة اليمنية من طور صراع داخلي، بدعم وتدخلات خارجية غير مباشرة أو علنية، إلى تدخل عسكري خارجي مباشر ينقل الأزمة إلى مرحلة أولى من صراع إقليمي، تخاض فيه حروب بالوكالة، وتصفية حسابات على أرض اليمن.
حققت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مفاجأة من العيار الثقيل، بإقدامها مجتمعة، باستثناء سلطنة عُمان، على شن ضربة جوية، كانت مستبعدة جداً، ضد مواقع الحوثيين والقوات المؤيدة للرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، وفرض حظر جوي كامل على أجواء اليمن.

فكل المعلومات التي كانت تتوارد من مدينة عدن، وباقي المحافظات الجنوبية، كانت تتحدث عن انهيار صفوف أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي، وفقدان الأمل من احتمال استجابة دول الخليج، والدول العربية الأخرى، لطلب الرئيس هادي ووزير خارجيته تدخلها عسكرياً، إلى أن اعلنت السعودية، على لسان سفيرها في واشنطن، عن انطلاق ضربات جوية مكثفة في الدقائق الأولى من بعد منتصف الليلة الماضية، وسط ارتفاع أصوت العديد من الخبراء الذين حذروا من أن الأوضاع على الأرض لم يعد ينفع معها تدخل عسكري خارجي، لأن الوقت أصبح متأخراً جداً، ولن يمنع سقوط عدن ومحافظات الجنوب بيد الحوثيين والوحدات العسكرية المؤيدة للرئيس السابق.

أما وقد وقع ما وقع، وبصرف النظر عن النتائج الأولية والمباشرة التي أدت إليها الضربات الجوية المكثفة، من المؤكد أن التدخل العسكري سيفرض معادلات عسكرية وسياسية مختلفة، وسيستدعي مواقف إقليمية ودولية متباينة، كان أسرعها موقف إيران التي أدانت العملية واعتبرتها خرقاً للقانون الدولي، وطالبت بوقف العمليات العسكرية فوراً، في حين أعلنت واشنطن معرفتها مسبقاً بالعملية، وأنها ستساعد السعودية وحلفائها لوجستياً واستخباراتياً، بما يعني ضمنياً أنها تؤيد وتدعم التدخل العسكري الخليجي في اليمن، بمشاركة بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى.

في المعادلة العسكرية ستواجه مجموعات “أنصار الله” الحوثية المسلحة عقبات كبيرة لم تعترضهم عندما فرضوا سيطرتهم على العاصمة صنعاء، في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتمددوا بسرعة وسلاسة إلى العديد من المحافظات والمناطق اليمنية التي لا يحظون فيها بحاضنة شعبية. كما أن استهداف الغارات الجوية مواقع الوحدات العسكرية  المؤيدة للرئيس السابق سيحرم الحوثيين من دعم الحليف الرئيسي لهم، والذي دون دعمه لم يكن بمقدورهم السيطرة على صنعاء والتمدد على مساحة واسعة.

وبوضع دول الخليج، والدول المتحالفة معها في العملية العسكرية، الحوثيين وأنصار الرئيس صالح في نفس الخانة يفقد صالح وأنصاره هامش المناورة المحدود، وبالتالي سيفرض عليهم خوض المعركة بوصفهم حلفاء وشركاء للحوثيين، وقطع كل وشائج العلاقة بين صالح ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى. مع الإشارة إلى أنه حتى وقت قريب جداً كان يوجد لديه قنوات حوار مفتوحة مع الرياض والقاهرة وأبوظبي والدوحة، وينظر إليه كطرف مقرر في الحوار واستكمال العملية الانتقالية.

وسيترتب على العملية العسكرية التي بدأتها الدول الخليجية، والدول المتحالفة معها، توسيع نطاقها لتشمل عمليات بحرية، لإحكام الحصار على الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، وعمليات برية لمساعدة مؤيدي الرئيس هادي، فكما هو معروف مهما بلغت قوة الضربات الجوية وتأثيرها لا يمكن لها أن تحسم المعركة على الأرض، غير أنه يتعين الانتظار بعض الوقت لتقدير الموقف، واستثمارها سياسياً بالضغط على قادة الحوثيين والرئيس السابق وأنصاره، وتفكيك التحالف بينهم وبين بعض القوى القبلية.

ومن مصلحة الدول الخليجية والمتحالفة معها، لاسيما المملكة السعودية ومصر، التمهل في اتخاذ قرار الانتقال إلى مرحلة التدخل البري، لأن العبء الرئيسي سيقع على كاهل هذين البلدين، إلى جانب الاستعانة بقوات محدودة من الأردن وباكستان والسودان والمغرب، ومن المقدر لأي تدخل بري أن يكون مكلفاً ويمتد لفترة زمنية طويلة، ويخشى من أن يتحول إلى مقدمة لحرب استنزاف، شبيهة بالحرب التي خاضها نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في اليمن، في ستينيات القرن الماضي.

كما أن استغلال بعض الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة لهذا التدخل، وتحويلة إلى منصة لخوض حروب بالوكالة، وتصفية حسابات، سيضفي تعقيدات كبيرة على الأزمة اليمنية، وسيطيل من عمرها، في وضع قد يكون مشابهاً للأزمة التي عصفت في لبنان، خلال سبعينيات القرن الماضي، وأدت عام 1975 إلى اندلاع حرب أهلية طاحنة، استمرت ذيولها ما يقارب 15 عاماً، وما زالت تداعياتها حاضرة حتى اليوم في الحياة السياسية اللبنانية، وامتداداتها الدولية والإقليمية.

سياسياً أهم ما سيترتب على التدخل العسكري إنهاء دور الوساطة الذي كانت تقوم به الرياض والدوحة وأبو ظبي، على أساس استكمال ما تبقى من “المبادرة الخليجية” الناظمة للمرحلة الانتقالية، وكاحتمال ضعيف تبقى إمكانية أن تسد مسقط الفراغ نوعاً ما، كون سلطنة عمان لم تشارك في التدخل العسكري. لكن الأرجح أن يتم حصر الجهود السياسية عبر ما يبذله المبعوث الدولي الخاص جمال بن عمر.

فاتورة ثقيلة ستدفعها كل اطراف الأزمة اليمنية، وكذلك الأطراف الإقليمية الفاعلة في الأزمة، كان من الممكن أن تكون أقل من حيث عدد الضحايا، وأخفض بكثير سياسياً لو دفعت بالتراضي على طاولة الحوار بتقديم تنازلات متبادلة، وتأمين شبكة أمان سياسية واقتصادية للعملية السياسية، والفرصة —وإن أصبحت أضيق- تظل قائمة قبل التورط في عملية برية متدحرجة.

 

+ -
.