مسيرة يانوكوفيتش دشّنها لصاً وختمها رئيساً مكروهاً… بالإجماع

فيكتور يانوكوفيتش سيدخل التاريخ من أوسع الأبواب! هذه ليست مجرد نكتة يروّجها اصدقاء الرئيس الأوكراني المعزول… أو أعداؤه. والبلاد المنقسمة بين غرب مزهو بالانتصار وشرق خائف من المستقبل، تكاد أن تكون منقسمة على كل شيء، لكنها متفقة على أمر واحد: هذا اسوأ حاكم في تاريخ أوكرانيا! ويعتبره الشطر الأول قاتل اً، والثاني جباناً متخاذلاً.

 

أحاط الغموض بكل مراحل حياة الرجل، منذ بدأ «نشاطه الاجتماعي» بجريمة سطو مسلح، عوقِب عليها بالسجن سنوات، تلتها جريمة شروع في القتل أدخلته السجن مجدداً، واضطر ان يدفع ثمن «الهفوتين» سنوات طويلة لاحقة، تنقّل خلالها بين عضوية الحزب الشيوعي ومصانع التعدين، عاملاً ثم مشرفاً ومديراً أفاد من سنوات الفوضى ليراكم ثروة كبيرة. وعمل بكل جهد لمحو السجلات القديمة التي ظلت تؤرقه، وهو يدخل دهاليز السياسة من بوابة حيتان المال الذين هجموا على التَّركة الدسمة يوم تفكك الاتحاد السوفياتي، وغدوا رجالات دولة.

 

والمقعد المحجوز في قطار التاريخ، لا يقتصر على كون صاحبه الرجل الوحيد الذي بات جميع الأوكرانيين يمقتونه، فهو بمعيار السياسة الدولية غدا صاحب لقب نادر: الرئيس الذي «اختفى». هكذا ببساطة، هرب فجأة من القصر، مثيراً دهشة العالم كله، على رغم أنه كان لايزال ممسكاً بمفاتيح القرار وهراوة الشرعية.

 

قد تكون الساعات التسع التي قضاها يانوكوفيتش ليلة 21 شباط (فبراير) الأخيرة له في القصر، هي الأصعب في حياته، اذ وجد نفسه أسيراً بين فكَّيْ الضغوط الأوروبية الشديدة للرضوخ لمطالب المعارضة بسحب الجنود من الميادين، وإعلان انتخابات رئاسية مبكرة وإصلاح الدستور من جانب، ودعوات أنصاره إلى فرض حال الطوارئ و»خوض المعركة حتى النهاية» من الجانب الآخر. واتخذ الرئيس قراره: وقّع اتفاق إنهاء الأزمة مستسلماً أمام المعارضة والأوروبيين، و…هرب من القصر، تاركاً تسجيل فيديو ليُبَث في اليوم التالي معلناً رفض قرارات «الانقلابيين». وأفسح ذلك في المجال أمام الروس للتشكيك بالاتفاق الذي شهدوا عليه ولم يوقّعوه، وأوقع الرئيس أنصاره وخصومه في ورطة لم تكن لتخطر على بالهم.

 

يقول مقربون من يانوكوفيتش إن صفة الجبن ومحاولة إرجاء المواجهة الحاسمة لازمته دائماً. لكن بعضهم يفسر الأمر بطريقة أوضح. فالرئيس كان مهدداً بفقدان دعم «حيتان المال» الذين خشوا احتمال فرض عقوبات غربية عليهم، وإذا قرر مواصلة المعركة فإن اعتماده كان سيقتصر على أجهزة القوة التي لا يثق كثيراً بولائها.

 

لكن السؤال الذي بقي مطروحاً هو لماذا لم يبق يانوكوفيتش في القصر حتى نهاية تشرين الأول (اكتوبر)، موعد الانتخابات المقرر في الاتفاق؟ يقول خبثاء إن وراء «سيناريو الهروب» مناورة روسية هدفها إحراج أوروبا والولايات المتحدة، وهما الطرفان اللذان كانا يرغبان في إخراج «قانوني» للتسوية.

 

لكن آخرين بينهم مسؤولون في حزب «الأقاليم» الذي تبرأ من زعيمه السابق، يعتبرون أن يانوكوفيتش خشي مواجهة موقف يوضع فيه كرهينة أمام قوى المعارضة، التي باتت تتحكم بغالبية نيابية مريحة ستصبح مع العودة إلى دستور 2004 صاحبة اليد العليا في البلاد.

 

في كل الأحوال، قد تكشف الأيام أسرار الهروب الذي وصلت تداعياته إلى المنطقة العربية، وشحذ مخيّلة أنصار «الربيع العربي» باعتبار يانوكوفيتش نموذجاً للديكتاتور الهارب، بينما رأى فيه اصحاب نظريات المؤامرة لغزاً عويصاً ستكون له جولات أخرى.

 

وإلى أن يتضح الموقف، يتداول الأوكرانيون عشرات القصص عن الرئيس الهارب، مثلما يحدث بعد انهيار كل نظام. وهي تبدأ من محاولات تحديد مخبئه في خاركوف التي انقلبت عليه، أو في القرم حيث يستعد للهروب إلى الإمارات أو اذربيجان… أو على ظهر بارجة روسية في سيفاستوبول، يتحيّن الفرصة ليجد ملجأ يقضي فيه بقية أيامه معزولاً.

 

أما في كييف فتكاد لا تتوقف «اكتشافات» من دخلوا القصر الفاخر بعد رحيل صاحبه. من صور دلّت إلى شحن صناديق ضخمة لحظة الهروب تعد دليلاً على تهريب مبالغ ضخمة، إلى مخطوطات نادرة عن تاريخ اوكرانيا تبيَّن انها «سُرقت» من المكتبة الوطنية… إلى أحاديث عن غرف مجهّزة لعشيقات الرئيس، إلى آخر اللائحة التي تؤكد أن السكاكين المشحوذة للاقتصاص من الشاة التي وقعت، كثيرة جداً.

 

+ -
.