من غير المقبول الاستخفاف بحياة الآخرين ولا يجوز أن يستسهل أحد ممارسة العنف القاتل

Omri
عمري سراي الدين

منذ أيام تعرّض إبني لاعتداء وحشيّ كاد يودي بحياته.. القصّة باتت معروفة، وليس الهدف من هذه الكتابة إعادة سردها، ولا توصيف مقدار الألم والخوف والمعاناة التي مرّت بها عائلتي؛ الأمر الذي لا أتمناه لأي إنسان في هذا العالم.

الغرض من هذه الكتابة هو دقّ ناقوس الخطر، مرّة ثانية وثالثة، حيال أوضاعنا الاجتماعيّة وظواهر العنف التي تزداد وتيرتها في السنوات الأخيرة.. وقبل البدء بالكلام عن السلبيات لا بدّ من الإشارة الجانب الإيجابيّ؛ إلى التعاضد والتكاتف والدعم النفسيّ والمعنويّ الذي أبداه أهل مجدل شمس وباقي قرى الجولان الطيبون. لأيّام لم يتوقف هاتفي عن تلقّي الاتصالات من الأصدقاء ومن أشخاص لا تربطني بهم علاقات متينة.. هذه الأواصر الإنسانيّة الأصيلة ما زالت حيّة، وهي عزائي الوحيد في كل ما حصل، وهي المراهنة الوحيدة التي يمكن البناء عليها في مواجهة التحوّلات الخطيرة المستجدّة على ثقافتنا المجتمعيّة. أبرز وأخطر هذه التحوّلات العنف المنفلت من أيّة ضوابط أو روادع إنسانيّة أو أخلاقيّة أو عقلانيّة.. أحياناً لا يمكن تصوّر أو تصديق أنه يمكن أن نخسر حياة شاب بطعنة حمقاء من أحمق تعطّل عنده التفكير، بسبب خلاف ومشادّة على مصفّ سيارة!!!

Omri2

جميعنا يعرف المنبع الأساسي لهذه الإشكالات، ونعرف أن هذه الحادثة لن تكون الأخيرة وأن الأيام القادمة قد تحمل حوادث أو مآسي نابعة من نفس المشكلة.. جميعنا نعيش يومياً أزمة الاختناق والضيق داخل كتلة أسمنتيّة متراصّة، لم يعد فيها متّسع كافٍ من الهواء.. نسمّيها مجدل شمس.. هذا هو جذر المشكلة؛ سياسات البناء والتنظيم المؤسَّسة على التضييق والفساد ونظام المحسوبيات جعلت عمارة مجدل شمس أشبه بعمارة المخيمات، وهي المصنع الذي ينتج الازدحام والضيق والعنف، والذي يقوّي النزوع الأنانيّ الذي نراه في كثير من المسلكيّات؛ في الزحف على الشوارع العامّة عند البناء وفي أخلاقيّات السياقة في الشوارع وفي التنازع على المصالح الماديّة الشخصيّة، بدون حدِّ أدنى من التفكير بأننا مجتمع نحتاج، إزاء هذا الواقع الضاغط، إلى التفهُّم والتفاهم والتراحم، ليس فقط فيما يختصّ بضيق الشوارع، وإنّما في الكثير غيرها من الأزمات التي تودي إلى ذات النتيجة وذات المبدأ الذي يقول: “.. أهم شي مصلحتي تمشي ويحترق العالم من بعدي.. “. ولنا أن نتخيّل المآلات التي يمكن أن نصل إليها جرّاء تبنّي هكذا مبدأ في الحياة وفي السلوك. ما يزيد الأمر سوءاً، هو الركون إلى حلول قديمة لمشاكل جديدة.. كل هذا وغيره من الأسئلة جديرة بالتوقف عندها والتفكير فيها، كأفراد وكجماعة..

بالعودة إلى البداية، أود أن أعلن أن الاعتداء الذي تعرّض له إبني لن يجرّني إلى العداء أو الكراهية، ولا أعتبر الشاب الذي كاد يقتل ابني عدوّاً ولا أحمل ضغينة له أو لأي فرد من أسرته، ولم أفكر للحظة بالانتقام أو الثأر أو ما شابه.. على العكس تماماً، أتمنى الخير له ولجميع الناس، وسأتعامل مع هذا الموضوع وفق القانون وسأذهب في المسار القانونيّ وعبر القضاء حتى النهاية.. لا مكان، ولا مجال في هذه المسألة، للمساومة أو للحلول التقليدية أو للوساطات من أي نوع كان ومن أي شخص أتت.

من غير المقبول الاستخفاف بحياة الآخرين ولا يجوز أن يستسهل أحد ممارسة العنف القاتل.. هنا تأتي وظيفة القانون والعقاب العادل والحقّ العامّ.. ومعه، وفي نفس الوقت، تأتي الحاجة إلى المسامحة على مستوى المشاعر وعلى المستوى الشخصي. هذا ما يمليه المنطق والعقلانيّة والمسؤوليّة إزاء حادثة كالتي تعرّض لها ابني.

أعاود شكر كل الطيبين الذين وقفوا إلى جانب أسرتي في هذا الوقت الصعب.

هيثم سراي الدين

تعليقات

  1. الحمد الله على السلامي ومنيح الي مضت هيك

  2. الحمد لله والشكر لله ع سلامتك يا عمري الغالي يا نور العين وملهج السان يكون عمرك مديد الله يسعد ايامتك مفرح فيك يا رزقته الخمسه والثلاثه يحموك الله معك

  3. كلام موزون منطقي وبناء
    الشفاء العاجل للشاب
    ومشكلتنا تنتهي عند الاخذ بعين الاعتبار اننا لسنا فريدين الكوكب
    فهناك “مخلوقات” اخرى تعيش ايضا ومن حقها استعمال الشارع او غيره
    فلو امعنوا النظر جيدا لما وصلوا لهذه الطرق المسدوده
    الله ولي السلم والامان

  4. اولا كل الصحه والعافيه لنجلك ونشكر الله عز وجل ان اتت العواقب سليمه .اخ هيثم احيي فيك روح المسووليه وترفعك عن الضغاىن والاحقاد الشخصيه وعدم شخصنه الحادثه لهو موشر على ان هناك جانب ايجابي في فهمنا للواقع الجديد الذي نعيشه كمجتمع جولاني الا هو التمسك بالقانون كحكم لفض الخلافات بين افراد المجتمع وركن الحلول العشاىريه وبوس اللحى جانبا لانها تزيد الامور سوءا . يا ساده نحن نعيش مرحله وسيطه بين المجتمع القروي العشاىري المبني على استبداد شيخ العشيره او العاىله والمجتمع االديموقراطي الذي يقدس حريه الاخرين بالتوازي مع حريته وحتى نرقى لهذاالهدف علينا التمسك بالقانون الوضعي لنظم العلاقات بين الافراد فيما بينهم اوالعلاقه بين الافراد والسلطه.

    1. اشكرك سيدي لتعاطفك وفهمك للواقع الاليم واناشد همم شاباتنا وشبابنا ان ياخذوا زمان الامور وادارة شؤون مجتمعنا تحت راية (العقل سيد الاحكام) وان نسعى لتوريث ابنائنا المحبه بدل العداء والكراهيه

  5. لحمدلله على سلامنو والله يحمي كل لشباب ويخليها لاهاليها وتنذكر وما تنعاد

  6. الحمد لله على سلامة ابنكم اخ هيثم واخت عبير. قلوبنا جميعا كانت معكم طيلة الفترة السابقة ودعواتنا ان تخرجو من هذه المحنة بخير وعافية وسلام. . تمنياتنا لابنكم ان يعود لكامل عافيته وصحته ويمارس حياته الطبيعية.
    ما كتبته هيثم كلام يستحق التقدير والاحترام. لا يمكن الاستخفاف بحياة الاخرين لاي سبب كان. وما اتفه هذا السبب الذي كاد ان يقطف من بيننا هذه الزهرة المشرقة ويترك والدين محزونين يقتلهم الاسى والحزن طول الجياة, لا سمح الله لو كانت النيجة غير ما ألت اليه والحمد لله انها انتهت كذلك.
    المسئولية تقع علينا جميعا من اهل ومعلمين ورجال دين ومثقفين, ان ننبذ كل عمل من هذا النوع. التسامح هو صفة انسانية محترمة وهي جزء من تربيتنا وادياننا جميعا.
    التهور والتصرف غير الموزون يزيد من الضغوط التي يعاني منها مجتمعنا العربي في كل مكان. كذلك الاختلاف الرأي ووجهات النظر. مطلوب منا احترام مشاعر بعضنا واحاسيسنا ومعتقداتنا وعدم الوصول الى مواقف قد تجر الويلات علينا وعلى اولادنا.
    مرة اخرة الحمد لله على السلامة, تمنياتي لكم ولابنكم الحبيب طول العمر ودوام الصحة والعافية .

    1. اشكرك استاذي على موقفك وتعاطفك وقرائتك بين السطور

  7. الحمدالله عالسلامه الله يطعمك عنيتك ويخليلك يا مع اخوتو ونعمه الي ماهي اعظم المسامح كريم والعنف يؤدي للعنف

  8. اولا اقول الحمد لله علىى السلامه يا عمري.
    ثم اقول للاخ هيثم نعم المواطن انت على الانسانية الجميله والكلام المنطقي الجميل. ونحن نفتقد لهذه القيم التي تتحلى بها اخ هيثم وخاصة في هذه الايام الصعبه فلك شكري وتقديري.
    اما الكلام عن هذه الحاثه الشرح يطول وليس له وقع حميد..
    اشكرك ثانية على موقفك الرجولي واهل بيتك.

  9. اللسان عاجز عن الشكر
    لكم ايها الطيبون
    زدتموني فخرا بكوني ابن اعيش بينكم

  10. الحمدلله على سلامته. بهذا الشأن اود لفت الانتباه انه في هذه الفتره عقدت عده جلسات في المجالس المحليه لبحث توسيع الخارطه الهيكيليه لكل قريه بحيث تتماشى مع النمو السكاني لغاية سنه 2040 .ولقد تسنا لي ان اتواجد في بعضها بما يخص توسيع الخارطه الهيكليه لقريتي مسعده. وللاسف الشديد تضييق الخناق على السكان هو التحصيل الحاصل اللذي استشفيته من تلك الجلسات وخاصه تلك التي تتعلق بالمرافق العامه، المناطق الصناعيه والاهم المساحه المعده للبناء.
    وبهذا الخصوص لا اظن ان وضع التخطيط المعد للمجدل باحسن حال من باقي القرى.
    للاسف الشديد اشعر بغصه كبيره عند مروري بالمنطقه الصناعيه في المرج….. لا ادري ما هو المنطق في تخصيص منطقةصناعيه على حساب الاراضي الخاصه للمزارعين. وهنا اتسأل كيف للمجلس المحلي ان يوسع الخارطه على حساب السكان؟ ومن اين لاي صاحب مصلحه
    المال الكافي لشراء 500 متر فقط لاقامه مصلحته. و و و و الخ….
    مما لا شك فيه انه في ظل هذه الظروف ستتسنى البيئه الملائمه لنمو العنف، ” البلطجه” بكافه انواعها، توسيع دائره الفقر وغيره….
    لذلك اخواني ” المصيبه اللي عند جاري هيي على باب داري” وبما تعرض له ابننا في المجدل قريبا لا سمح الله قد نتعرض له اجمعين.
    اناشد الجميع بتتبع الامور قبل ان تصبح تحصيل حاصل لا يمكن تغييره لغاية سنه 2040

التعليقات مغلقة.

+ -
.