مهرجان الجولان للثفافة والفنون يعرض مسرحية “رجال في الشمس”

z

ضمن فعاليات مهرجان الجولان للثقافة والفنون  السادس الذي يقيمه مسرح عيون في جولان للتنمية، عرض يوم أمس الجمعة العمل المسرحي الرائع “رجال في الشمس”، للمخرج الفلسطيني الفنان سعيد سلامة الذي يقتحم الذاكرة الجولانية من جديد، مشاركاً الجمهور الجولاني في إحدى أروع أعماله المتميزة التي تصف تأثيرات نكبة فلسطين عام 1948 على الشعب الفلسطيني.

رجال في الشمس .. هي صرخة صامتة يطلقها الفنان سعيد سلامة بقدراته الخاصة في فن التمثيل الصامت ( البنتوميما) وبفن الرقص التعبيري ،مع كثير من الموسيقى المعبرة ، ووضعها في قالب مسرحي رائع ومفاجئ لكل من شاهدها. وشارك ومثل في العمل أكثر من فنان وممثل منهم حسن طه ورشا جهشان وفداء زيدان ونعمه خازم ونضال حاج. وقام بضبط الحركة على المسرح باسكال كوبا (فرنسا) موسيقى أكرم حداد، مساعدة المخرج الهام عراف وتصميم إضاءة نعمه زكنون.

وكانت رواية ” رجال في الشمس” الصادرة عام 1963 نتيجة لتجربة شخصية للكاتب الفلسطيني الراحل الشهيد غسان كنفاني، عندما اضطر أن يظل متخفياً في المنزل لأكثر من شهر بسبب افتقاره للأوراق الرسمية التي تثبت هويته لكونه هو نفسه لاجئ. تجربته تلك نقلها في تفاصيل لثلاثة فلسطينيين سعوا إلى الوصول إلى حياة أفضل قبل أن يقضوا اختناقا في خزان أحدى الشاحنات في قلب الصحراء العربية..

بعد أكثر من نصف قرن على رواية غسان كنفاني ثمة شعب آخر يعاني مأساة اقسي من خيال غسان كنفاني … كل بيت في سوريا كان يقرع جدران الخزان… كل سجين كان يدق جدران الخزان.. كل مغترب .. وكل مطلوب وملاحق طيلة الخمسين عاماً الماضية.. كل شهيد داخل المقابر كانوا يقرعون ويخبطون  ويدقون جدران خزانات الوطن السوري الذي حوله نظام البعث إلى سجون ومعتقلات تحرسها وتشرف عليها وحوش أدمية،  وعصابات بشرية…. حتى ضعفت نبضات قلوب  السورين من شدة وقوة القرع  على جدران الخزان السوري، وصُمتّ كل أذان العالم،… كل العالم …. وأصبحوا خارج الزمن،  حتى أطلقوا زفرتهم الطويلة، وحطموا جدران الخوف والرعب في مملكة الرعب الأمنية السورية ،وانطلقوا في رحلة الموت بكرامة إلى الداخل تحت تساقط براميل الموت والخارج السوري تحت رحمة أشباه البشر…عبر الصحراء تاهوا وماتوا.. عبر المطارات والمعابرالأرضية افترشوا الأرض وكانت السماء  ونيران الكيماوي وبراميل الموت غطاؤهم، وداخل شاحنات الموت وشواطئ العالم قضوا.. ماتوا.. غرقاً وحرقاً وقتلاً على مرأى ومسمع العالم كله،  بأمل العيش بكرامة .. فقط كرامة تليق بالبشر…

في برنامج المهرجان اليوم السبت:

الحرق العربي – مشروع عمل نهاية السنة الدراسية لطلاب السنة الاولى في المعهد العربي للمسرح والتمثيل في الكلية الأكاديمية العربية للتربية في حيفا مشاهد منة مسرحيات عربية وعالمية ….  في تمام الساعة الثامنة / قاعة الجلاء.




عن رواية الشهيد غسان كنفاني.. بقلم: الفنان الفلسطيني المخرج أسامة مصري
لقد كانت هذه الرواية من أكثر الروايات التي نالت شهرة من أعمال غسان كنفاني، حيث قُدِّمت مراتٍ عديدة على خشبات المسارح المحلية والعربية، وصُوِّرت أيضا بشكل سينمائي، وكانت رواية “رجال في الشمس” هي الأولى للكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، والرواية تصف تأثيرات نكبة فلسطين سنة 1948 على الشعب الفلسطيني من خلال أربعة نماذج من أجيال مختلفة، وهي تقدم الفلسطيني في صيغة اللاجئ.. هناك شخصيات ثانوية تقوم بعدة أدوار مختلفة ولها أهميتها الخاصة خلال العمل المسرحي: شخصيتان تقوم بأدوار حراس الحدود العراقية الكويتية… ام قيس (مسنة)، فتاتان تلعبان أدواراً مختلفة ومتعددة.
مع شخصيات الرواية: (اسامة مصري)

أبو القيس.. البحث عن شجرات الزيتون..!!
“أبو القيس” هو أول الشخصيات التي تعرضها الرواية، رجل فقد بيته وشجرات الزيتون التي يملكها وأصبح يعيش مع زوجته الحامل وابنه الصغير في المخيمات، لا يجرؤ على التفكير في السفر للكويت حيث سافر الكثيرون وعادوا بالأموال التي حققوا بها أحلامهم الخاصة، “أبو القيس” شديد الارتباط بوطنه، يحلم بعودة ما كان، لكنه لا يعرف كيف يمكن أن تحدث هذه العودة بعد ضياع كل شيء.. “أبو القيس” رجل عجوز يخرج مضطرًا ولا يأمل كثيرًا في النجاح أو العودة الظافرة، لكنه يستجيب للضغط الذي يمارسه عليه أحد العائدين الأغنياء وحالة الفقر المدقع التي يعانيها هو وأسرته، فيودع زوجته وابنه ويسافر إلى العراق محاولاً أن يجد فرصة ليهرب عبر الحدود العراقية الكويتية من البصرة إلى الكويت ليحصل على النقود التي يبني بها بيتًا ويشتري شجرات زيتون جديدة.

أسعد.. المطارد..!!
أما الشخصية الثانية في الرواية فهو “أسعد”، وهو شاب مناضل تطارده السلطات بسبب نشاطه السياسي، لكنه يحاول الهرب إلى العراق بمساعدة أحد أصدقاء والده القدامى، ذلك الصديق الذي يسلبه عشرين دينارًا ويتركه في منتصف الطريق واعدًا إياه بشرفه أن يقابله بعد المرور على نقطة التفتيش، ولا يفي بوعده، فيفقد أسعد ثقته في البشر جميعًا، لكنه يستطيع الوصول إلى العراق مصمّمًا على عبور الحدود إلى الكويت ليستطيع أن يكوّن ثروة يردُّ بها الـخمسين دينارًا التي أقرضها له عمه ليبدأ بها حياته ويتزوج ابنة عمه التي خُطبت له يوم مولدهما.
**مروان..
أما “مروان” فهو فتى في المرحلة الثانوية يضطر لترك المدرسة والذهاب إلى البصرة ليدخل منها إلى الكويت بمساعدة المهربين حتى يعمل وينفق على أمه وإخوته الصغار.. أخو مروان يعمل بالكويت، وكان يرسل إلى الأسرة ما يكفيها، لكنه تزوج وتوقف عن إرسال نقود، بل أرسل رسالة إلى مروان يقول له فيها: لا أعرف معنى أن أظل أنا أعمل وأنفق على الأسرة بينما تذهب أنت إلى المدرسة السخيفة التي لا تعلّم شيئًا.. اترك المدرسة وغصْ في المقلاة مع من غاصوا..!! وبسبب توقف النقود يقبل والد مروان الزواج من فتاة فقدت ساقها بسبب قنبلة في غارة يهودية؛ لأنها تملك دارًا من ثلاث حجرات بسقف إسمنتي، فيهرب بذلك من مسؤولية أسرته، ويحقّق حلمه بالحياة في بيت له سقف بدلاً من خيام اللاجئين، ويؤجّر حجرتين ويسكن هو وزوجته الجديدة في الحجرة الثالثة.

أبو الخيزران.. القيادة العاجزة الانتهازية..!!
يرفض الثلاثة التعامل مع المهرب المحترف الذي يصر على أخذ خمسة عشر دينارًا مقدمًا من كل فرد؛ لأنهم يعرفون أن الدليل يمكن أن يتركهم في منتصف الطريق ويهرب. ويلتقون بالشخصية الرئيسية الرابعة في الرواية “أبو الخيزران”، وهو الآخر فلسطيني.. وهو مهرِّب يعمل مع تاجر كويتي كبير اسمه “الحاج رضا”، يقبل “أبو الخيزران” أن يهرِّبهم مقابل عشرة دنانير من كل منهم بعد الوصول إلى الكويت (ويعقد اتفاقا سريا مع مروان على أن يأخذ منه خمسة دنانير) في سيارة الحاج رضا التي لا تُفَتَّش لأن جميع رجال الحدود يعرفونها ويعرفون الحاج رضا، وهم أصدقاء للسائق نفسه.
“أبو الخيزران” سائق ماهر، عمل في الجيش البريطاني، وعمل مع الفدائيين فأصيب بقنبلة أفقدته رجولته وأعطته كل مرارة العالم، فكَرِه نفسه، وجعل كل طموحه في تكوين ثروة يعيش بها في هدوء وسكون بعد عمر من الحركة التي لا تهدأ، كان يشعر أنه فقد أهم شيء في حياة الرجل من أجل الوطن، لكن الوطن لم يرجع، ورجولته فُقدت إلى الأبد.
أما السيارة فهي سيارة نقل مياه قديمة متهالكة وبها خزان ضخم فارغ هو ما سيختفي فيه أبطال الرواية الثلاثة ليعبروا نقطتي الحدود العراقية والكويتية.

الرحلة الرهيبة..!!
يقدم غسان كنفاني شخصية “أبو الخيزران” كنموذج للقيادة الانتهازية التي تدّعي التفكير في المجموع في حين أنها تسعى إلى مصالحها الشخصية مهما تأذّى الآخرون.
يتفق “أبو الخيزران” مع الثلاثة على أن يبقى اثنان فوق الخزان ويجلس معه الثالث، وهكذا بالتبادل طوال الطريق في صحراء ترسل شمسها شواظًا من لهيب قاتل، وقبل أن يصلوا إلى نقطة الحدود بخمسين مترًا يدخلون الخزان، وعليه أن ينهى الإجراءات فيما لا يزيد على سبع دقائق ثم يسرع بالسيارة ليخرجهم من الخزان بعد 50 مترًا من نقطة الحدود.

الأكذوبة.. والموت..!!
وتنجح الخطة في نقطة الحدود العراقية، يختبئون في الخزان، يكادون يختنقون، لكن الأمر رغم الجهد يمر بسلام، وعند الاقتراب من نقطة الحدود الكويتية يستعدون لأخذ ما يسميه “أبو الخيزران” بالحمام التركي، ويطلقون عليه جهنم، لكن موظفا عابثا يعطل “أبو الخيزران” ويصر أن يحكي له السائق حكايته مع الراقصة العراقية “كوكب” التي تحبُّه لدرجة العبادة بسبب فحولته كما حكى له الحاج رضا (!!).. ورغم المفارقة المؤلمة في الحكاية الخيالية فإن تلك الأكذوبة تكون السبب في موت الثلاثة اختناقا في خزان المياه بسبب تأخر “أبو الخيزران” عليهم.

لماذا لم تدقوا الجدران..؟!
يفكر أبو الخيزران في إلقاء جثثهم في الصحراء لكنه يتراجع حتى لا تنهشها الضواري ويقرر أن يلقي بها فوق أول مزبلة يقابلها على الحدود ليسهل اكتشاف الجثث ويتم دفنها، وبعد أن يلقي بهم فوق المزبلة ويسير قليلاً.. يعود ليجردهم من الساعات والأموال.. وينطلق بسيارته مبتعداً وهو يتساءل بدهشة: لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ وتردّد الصحراء النداء الذي يؤكّد سلبيتهم في مواجهة الموت؛ فهم حتى لم يدقوا جدران الخزان ليتم إنقاذهم حتى ولو سُجنوا.. فهذا أهون من الموت.

 

 

+ -
.