مَن الأرحم؟

«عاد رمضان وعدنا إلى المسلسلات…وعادت المسلسلات وعدنا إلى الترفيه التلفزيوني بعيداً بعض الشيء من مشاهد العنف والجثث والدماء وقوافل التخلف العربي الجديد»… كان هذا في شيء من الاختصار، فحوى ما أراد الحلاق العجوز أن يقوله لجاره الصحافي الشاب حين التقاه صبيحة أول أيام الشهر الفضيل وحياه مباركاً له صومه. ولكن، لأن لا شيء يقوله الحلاق يكون مكتفياً بذاته، كان لا بد لجاره أن يتوقف برهة متسائلاً داخل رأسه عما يكون حقاً الشيء الذي يريد الحلاق قوله أو التعليق عليه. ولم يطل الانتظار…

فالحلاق كان في حقيقة الأمر يتساءل في ذلك الصباح عن ذلك السرّ الذي يجعل بعض أبرز المسلسلات التاريخية التي تعود إلى شاشة رمضان هذا العام تركّز في موضوعها، وبالتالي في شيطنتها – طالما أن كلّ موضوع درامي تاريخي يحتاج شيطاناً شريراً تلقى عليه أعباء المسؤوليات التاريخية – على أعداء الأمس، لا سيما الأتراك و… الفرنسيين الذين يطالعوننا في مسلسلين على الأقل على صورة محتلين ظالمين مكروهين يجب أن يحارَبوا ويحارَبون بالفعل ويتم الانتصار عليهم… في المسلسلات كالعادة.

والحقيقة أن الحلاق بعدما عبّر عن هذا معترفاً بأنه بنى لنفسه تصوّره عنه من اللقطات الترويجية وحدها طالما أنه لم يشاهد المسلسلات بعد، تساءل بجدية و «نرفزة» لماذا كل هذا العداء التلفزيوني لبلدين وشعبين يمكن القول إنهما أقرب ما يكون إلينا وإلى قضايانا منذ سنوات طويلة؟ «ثم، يا صديقي، أستحلفك بالله أن تقول لي أي التاريخين هو الأكثر سواداً، تاريخ ما فعله المحتلون الفرنسيون والأتراك من قبلهم، بنا، أم تاريخ ما فعلناه بأنفسنا؟ هل بات في إمكان الأداء الفني – الرديء تقنياً وإنتاجياً على أية حال – أن يبدو أكثر قسوة ومدعاة للغضب من الأداء الحقيقي الواقعي الذي ما برحنا نشاهده في «مسلسلات» النشرات الإخبارية حيث نظام يقصف شعبه بالبراميل المتفجرة والطائرات والصواريخ الباليستية، و «ثوار» يذبحون الشعب بالمئات باسم دين هو منهم براء؟ ومثقفون مأجورون يعتلون الشاشات الصغيرة مبررين لهؤلاء حينا ولذاك حينا آخر» تساءل الحلاق غاضباً وقال متابعاً: «أمن العدل اليوم أن نصور شنق محتلين مناضلاً ويُعتبر جريمة إنسانية فيما أحفاد هذا المناضل أنفسهم يشنقون المئات من أحفاده الآخرين؟».

وإذ وجد الحلاقُ الصحافيَّ مطرقاً في نوع من الخجل الحقيقي، أضاف مختتماً حديثه الصباحي: «أوليس هناك من يقول لفناني المسلسلات إن ما يحاولون قوله اليوم بات في منتهى السذاجة أمام واقع أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه مخجل… في الوقت نفسه الذي، بالمقارنة، يعيد الاعتبار إلى أولئك المحتلين الغلاظ الذين، وليس هذا دفاعاً عنهم، كانوا مليون مرة أرحم بنا من غزاتنا وحكامنا الجدد والمتجددين الذين هم في الحقيقة من يستحق أن ترجمه مسلسلاتنا وتفضح جرائمه وتخلفه وتفاهته قبل أن تتنطح لفضح ممارسات محتلين جاء تاريخنا الحاضر البشع ليعيد إليهم اعتباراً ما»…

+ -
.