هل الماء هو الذهب السائل حقاً؟

قد تكون الاستفادة من أثمن موارد الأرض هي أحد أكبر الموضوعات المهمة في المستقبل القريب، وإليكم الأسباب.

إذا سألتَ الخبير الاقتصادي “أوين فاهي” عن أثمن موارد كرتنا الأرضية، فلن يتردد في الاجابة بالقول: “هذا أمر واضح تماما. إنه الماء الذي يعد أهم مادة أساسية في هذا العالم”.

غالباً ما يُدهش هذا الرد بعض الناس، كما يقول، وخاصة عندما يركز مستثمرون كثيرون جلّ اهتمامهم على أسعار النفط التي تتهاوى حاليا.

فقد وصلت الأسعار مؤخراً إلى مستوى 45 دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد، ويعني هذا انخفاضاً بنسبة 57 في المئة عما كان عليه سعر البرميل في يونيو/حزيران عام 2014، وهو 107 دولار أمريكي.

علاوة على ذلك، غالباً ما يفترض الذين يعيشون في البلدان المتطورة توفر الماء النظيف باعتباره أمراً مفروغاً منه ـ كل ما يتطلبه الأمر هو أن تدير الصنبور وستجده يتدفق. لكنه سلعة محدودة، وتختفي ببطء.

ويعمل “فاهي” كمخطط لاستراتيجيات الاستثمار، وهو كبير الاقتصاديين لدى شركة “كلاينتورت بينسون إينفستورز”، وهي شركة استثمارات مقرها دبلن. وقد جعل “فاهي” من دراسة المياه، والاستثمار فيها أيضا، مهنة له.

بطريقة أو بأخرى، يُعتبر الماء قطاعاً مثالياً للاستثمار، وذلك بخلاف النفط، إذ لا يمكن إعادة إنتاج الماء، والجميع يحتاج إليه لكي يظل على قيد الحياة، حسب تعبير “فاهي”. وفي الجانب الآخر، تُعتبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من المصادر البديلة المتنامية.

يقول “فاهي”: “إن مصادر تمويلنا بالماء ثابتة، ولا نستطيع صنع المزيد منها. تستطيع العيش بدون النفط والوقود الحفري، ولكنك لن تستطيع العيش بدون الماء. هذا هو أحد أسباب قضية الاستثمار ـ الأهمية المحضة لهذه المادة”.

في الوقت الذي نجد فيه نمو هذه السلعة، جنى بعض الأسهم في مجال الاستثمار في المياه عوائد فاقت 100 في المئة. من المرجح أن الفُرص ـ والعوائد أيضاـ ستزداد كلما نضج هذا القطاع، حسبما يقول “فاهي”.

الصراع على المياه

ليست المشكلة في وجود ماء قليل على سطح كرتنا الأرضية، بل هي في عدم وجود ما يكفي من الماء العذب النظيف ليُستعمل مرات ومرات.

ووفقا لـ “وكالة حماية البيئة الأمريكية”، فإن واحداً في المئة فقط هي النسبة القابلة للاستهلاك البشري. ولا يزال بناء محطات تحلية المياه – التي تحول الماء المالح (أي 97 في المئة من الماء في العالم) إلى ماء عذب- باهظ التكاليف.

هناك عوامل عديدة أدت إلى انخفاض مصادر المياه النظيفة بشكل كبير. من بين هذه العوامل، التلوث، والزيادة السكانية، وزيادة الطلب على المياه ـ لاستعمالها في جميع الأمور، مثل الزراعة، وإنتاج الطاقة، والرعاية الصحية، والصناعة.

وفي وقت يستمر فيه الجفاف في كاليفورنيا كأحد الأمور الملحة للولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن الصين تعاني من مشاكل أكبر في توفير المياه، كما يقول دين دراي، المدير العام لشركة “آر بي سي كابيتال ماركتس”، والإستشاري في قضايا المياه لدى الأمم المتحدة.

ويضيف دراي: “بدون جدال، إنها المشكلة الأسوء هناك”. وتواجه الصين زيادة سكانية سريعة في المدن، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، سينتقل للعيش في المدن وما يجاورها قرابة 292 مليون إنسان بين أعوام 2014 و 2050. سيشكل ذلك ضغطاً على البنية التحتية الحالية لمصادر المياه في تلك المناطق، حسب قول دراي.

أضف إلى ذلك، تعد مصادر المياه في الصين في معظمها من الأنهار والبحيرات التي يعاني نصفها تقريباً من التلوث، حسبما يرى دراي.

كما أن أكثر المياه المستعملة في الصين تقع في الجنوب، بينما يعيش أغلب سكانها في الشمال. ولإصلاح مشاكل بنيتها التحتية، ستحتاج الصين إلى إنفاق التريليونات، حسب تقرير “ماكينزي آند كومباني” في عام 2013.

هناك دول أخرى تعاني من ذات المشكلة، مثل الهند، وأستراليا، وإسرائيل، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، وأجزاء من أفريقيا. إنها تعالج أيضاً نقص المياه لديها. ومع الزيادة السكانية العالمية، فحتى دول غنية بالمياه، مثل كندا، وروسيا، والبرازيل، ستواجه مشاكل حسب قول دراي.

فرصة استثمارية

لتفادي حصول صراعات، سيتوجب على الحكومات في نهاية المطاف معالجة ذلك النقص. هنا يأتي دور الفرص الاستثمارية. إن أسهل وسيلة لجني الأرباح لاستغلال هذه المشكلة هو شراء أسهم شركات معنية بتحسين نوعية المياه، حسبما يقول “فاهي”.

ربما تكون هذه شركات إنشاءات تقوم بتشييد محطات تحلية المياه أو أعمال البنية التحتية لإقامة السدود، ومراكز معالجة المياه في البلدان النامية، أو شركات التقنية التي تحاول إيجاد سبل لجعل الماء أنظف.

حسب رأي “دراي”، على كل من يريد أن يعرف المزيد عن المال والأعمال في هذا القطاع أن يقرأ تقرير “معلومات المياه في العالم”، وهي نشرة تجارية تغطي هذا القطاع.

ومع أنه استثمار بعيد الأجل ـ حيث لا تزال المسألة في طور التكوين ـ فبإمكان أي مستمثر أن يحصل على عوائد معقولة في وقتنا هذا. يقوم “مؤشر إس آند بي للمياه العالمية” بمتابعة 50 شركة من مختلف بقاع العالم معنية بأوجه تجارية أو صناعية ذات علاقة بالمياه.

ولهذا المؤشر عوائد سنوية، والتي تصل على مدى ثلاث سنوات إلى 7 في المئة، وعلى مدى خمس سنوات إلى 8.1 في المئة. ومع أن هذه النسب هي أقل من العوائد السنوية لأكبر 500 شركة تتابعها “إس آند بي”، وهي 12 في المئة، إلا أنها تُعتبر عوائد مُجزية بالنسبة لمن يريد المراهنة على المدى الطويل على المياه، حسبما يقول داري.

وتعد شركة “أمريكان ووتر ووركس” من ضمن أقوى الشركات ذات الأسهم الفردية التي يدرسها “فاهي”، وهي شركة قابضة في مجال خدمات تصريف المياه. وهناك أيضا شركة “داناهر كوربوريشن”، وهي شركة عالمية للعلوم والتكنولوجيا.

وقد ارتفعت أسهم الشركتين إلى أكثر من 121 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة. وتدار الشركتان بشكل جيد، كما يقول فاهي، وذلك هو السبب الرئيسي الذي يزيد من عوائدها.

من المهم التذكير بأنه في الوقت الذي حصلت فيه شركات عاملة في مجال المياه على عوائد ضخمة، فقد واجهت غيرها خسائر كبيرة. إن مجرد تحقيق هاتين الشركتين للنجاح لا يعني أنهما سيمضيان قُدُماً في تفوقهما.

إحدى المعضلات البارزة في هذا المجال الاستثماري هي أن أغلب هذه الشركات تعمل أساساً في قطاعات أخرى. إذ تشكل الأعمال المتعلقة بالمياه نسبة 12 في المئة فقط من النشاطات التجارية لشركة “داناهر”.

أما “جنرال إلكتريك”، التي تقع ضمن قائمة “داري” من الشركات التي يتابع أسهمها، فان جزءا صغيراً من نشاطاتها فقط يتعلق بالمياه. ومع الدلالة التي تظهر في إدراك الشركات الكبيرة للفرص الموجودة في قطاع المياه، إلا أنه لا يزال من الصعب على المهتمين أن يستثمروا بتركيزهم على المياه فقط.

شراء مياه حقيقية

الوسيلة الأخرى للاستثمار في المياه هي امتلاكها بشكل مطلق. في أستراليا، باستطاعة المستثمرين شراء حصص في حقوق امتلاك المياه ـ مع حرية الوصول إلى نسبة محددة من مياه بحيرة أو نهر ما.

يمكن لصاحب الحصص أن يبيع حقوق التملك إلى شخص آخر، أو أن يدع شركة أخرى ـ شركات زراعية على سبيل المثال لا الحصرـ لاستعمال الماء الذي يمتلكونه مقابل رسوم معينة.

يقول “يوان فرايدي”، المدير العام للمياه في شركة “كيلتر رورال”، للاستثمارات في فيكتوريا بأستراليا إن سوق المياه بدأت في أوائل تسعينيات القرن الماضي عندما استُعملت مياه “حوض موراي دارلينغ”، في جنوب شرقي أستراليا، بشكل مفرط.

تمتلك شركة “فرايدي” ما يقرب من واحد في المئة من المياه الموجودة في هذا الحوض. يمكن للمستثمرين أن يشتروا حصصاً بمبلغ 20 ألف دولار أسترالي (14,155 دولار أمريكي) ويستفيدوا من رسوم “الاستئجار” المدفوعة بغرض استخدام حقوق التملك هذه.

ويحصل المستثمرون في تلك الشركة على نسبة تترواح بين أربعة وسبعة في المئة كعوائد سنوية، حسبما يقول فرايدي.

ولحقوق التملك نفسها نسبة عوائد سنوية مركبة تقرب من 10 في المئة ـ وهي نسبة مماثلة لسوق الأسهم، غير أن الاستثمارات المباشرة في المياه تميل إلى عدم الارتباط بالأسهم، كما يفسر فرايدي.

إن عوائد الحصص التي تقدمها شركته تحددها عوامل مثل الطقس ومسألة العرض والطلب. فإذا هطل مطر كثير، فلن يحتاج المستأجرون إلى الكثير من الماء مما يؤدي إلى هبوط الأسعار. أما إذا كان المناخ حاراً في سنة ما، فإن سعر كل مليون لتر من المياه سوف يتصاعد.

ليست هناك أماكن عديدة أخرى مثل هذه تتيح للمستثمرين توظيف أموالهم، كما يقول “فرايدي”. يعود ذلك، جزئياً، إلى أن بلداناً نامية مثل الصين ودول أمريكا الجنوبية لها قضايا سيادية معرضة للخطر تتعلق بمصادر المياه القريبة منها.

رغم ذلك، وبينما ينمو قطاع معالجة ندرة المياه، فإن فرص الاستثمار ستنمو أيضاً. يقول “فرايدي”: “إنها مسألة مثيرة للاهتمام، وهي واحدة من أكبر المشاكل الإنشائية التي سنواجهها عبر السنين العشر إلى العشرين القادمة.”

+ -
.