هل بدأ عصر صناعة الأعصاب الالكترونية؟

بالنسبة إلى كل من يملك حسّاً إنسانيّاً معاصراً، يصعب عدم البدء من المرأة للقول إن أيادي نسائيّة حققت اختراقاً علميّاً بارزاً، بل لعله الأبرز في علم الـ «بيو- إلكترونيكس» Bioelectronics المعاصر. ومع انحناءة تقدير للصعود المتواصل للمرأة في المجتمعات الحديثة، يصعب عدم الإحساس بثقل في القلب لما تعانيه المرأة العربية من تسلّط ذكوري تتنوّع أشكاله ولا يتبدل مضمونه في قمع المرأة وتجاوز إنسانيتها.

كذلك لا أقل من القول إن عصر الأعصاب الاصطناعيّة البديلة استهل مع مطلع العام 2015 بفضل قفزة نوعيّة تحققت في الرقاقات الإلكترونيّة القادرة على «التخاطب» مع أعصاب الإنسان مباشرة. وهي بشرى لملايين المشلولين بأثر من انقطاع الأعصاب التي كانت تحرّكهم، خصوصاً الحبل الشوكي.

ليس جديداً أبداً صنع رقاقات تستطيع أن تتفاعل مبــاشرة مع أعصاب الإنسان التي تنجز عملها عبر تناقل إشارات كهربائيّة بينها، سواء تعلق الأمر بتحريك عضلات أو نقل إحساس أو حتى الأفكار التي تدور في الدماغ.

إذاً، ما هو الاختراق العلمي الذي أحدثه الفريق العلمي السويسري – الأميركي الذي قادته البروفسورة ستيفاني لاكور، وهي اختصاصيّة «بيو – إلكترونيكس» من «المعهد الفيديرالي السويسري للتكنولوجيا» في لوزان؟

يتمثّل ذلك الاختراق في صنع رقاقات إلكترونيّة تستطيع نقل الإشارات العصبيّة من دون تشويش، بفضل اندماجها السهل مع الأعصاب والأنسجة الحيّة. وعلى غرار الرقة المعروفة في هوية الكائن الإنساني النسائي، تتميّز تلك الرقاقات بالنعومة، بمعنى أنها لا تُحدِث ردّ فعل في الأنسجة الطبيعية، بل إن الأعضاء الحيّة تتعامل معها كأنها نسيج بيولوجي حيّ. النتيجة؟ صنعت لاكور وفريقها الدولي رقاقات لدنة، من المستطاع استخدامها في علاج ما يصيب الأعصاب، بداية من انقطاع تواصـلها ووصولاً إلى تلفها بأثر الأمراض.

وتســتطيع تلك الرقاقات حاضراً أن تصل ما انقطع من الاتصالات العصبيّة، على غرار أن تزرع في منطقة انقطاع استمرارية العصب في الحبل الشوكي (وهو أمر يحدث في الحوادث وإصابات الحروب). وفي الأفق أنه من المستطاع استخدام الرقاقات عينها، بزرعها في الدماغ بديلاً من الأعصاب التالفة. وإذا زرعت في أمكنة مناسبة، تستطيع أن تحل بديلاً للأعصاب التي تتولى تنظيم الحركة الجسدية، إذا ما تضرّرت بسبب مرض كـ «باركنسون». وفي أفق أبعد، قد تعوّض أعصاباً في مناطق التفكير والنطق والذاكرة، فتكون علاجاً لأمراض مستعصية كـ «ألزهايمر».

ليس ما صنعته يد المرأة المعاصرة عادياً، بل إنه اختراق يفتح عصر الأعصاب الاصطناعيّة البديلة. ولأوقات طويلة، عانت بحوث الرقاقات البديلة للأعصاب مشكلة رفض الأنسجة الحيّة لها.

واستطاعت لاكور وفريقها التغلّب على تلك الصعوبة بالاستناد إلى تقنيّات النانوتكنولوجيا، فصنعت رقاقات من مزيج البلاتينيوم مع السيليكون، وتولّت أسلاك «نانو الذهب» الربط بينها.

وزرعت الرقاقات «الأنثوية» في منطقة انقطاع الحبل الشوكي في فئران مشلولة، فنهضت ومشت.

وانتظرت لاكور 6 أسابيع كي تتأكد من عدم حدوث رد فعل في الجسم ضد رقاقاتها، قبل أن تعلن نجاح تجربتها عبر بحث نشرته مجلة «ساينس» العلميّة.

وتذكيراً، يعمل العالم المصري مصطفى السيد على بحوث عن استخدام «نانو الذهب» في الطب، ما يفتح باباً أمام دخول عربي إلى عصر الأعصاب الاصطناعيّة البديلة.

+ -
.