هل يمكنك أن تحقق ثروة مثل “أغنى أغنياء العالم”؟

By ENERGY.GOV (Ken Shipp/DOE Photo) [Public domain], via Wikimedia Commons
By ENERGY.GOV (Ken Shipp/DOE Photo) [Public domain], via Wikimedia Commons
ربما يكون النجاح الذي يحققه أصحاب الأداء المتميز متعلقا أكثر بوجودهم في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب، وليس بالموهبة الفريدة فقط، كما يقول الكاتب تشينغوي ليو.

يعد بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، أكثر حظا مما تعتقد. فربما يكون رجلا موهوبا جدا، شق طريقه منذ تخليه عن إكمال دراسته الجامعية، إلى أن وصل إلى مركز الصدارة في قائمة أغني أغنياء العالم.

لكن نجاحه الفريد قد يخبرنا الكثير عن أهمية الظروف المحيطة بالمرء، أكثر مما قد يخبرنا عن دور المهارة والمثابرة في صعود سلم المجد.

ونحن في الغالب نقع ضحية للاعتقاد أن أصحاب الأداء الاستثنائي هم الأشخاص الأكثر مهارة أو الأكثر موهبة. لكن الأداء الاستثنائي يميل إلى أن يحدث في ظروف استثنائية أيضا. وبالتالي، فإن أصحاب الأداء المتميز الذين يصلون للمجد هم في الغالب الأشخاص الأكثر حظا، الذين يستفيدون من وجودهم في المكان المناسب، والوقت المناسب.

العديد منا يتعامل مع بيل غيتس، وأمثاله من أصحاب النجاح والثروة، على أنهم أناس ينبغي علينا أن نتعلم منهم جيدا كيف نحقق النجاح. لكن افتراض أن هؤلاء وصلوا إلى ما هم فيه من خلال أدائهم وجهدهم فقط، ربما لا يكون صحيحا، وقد يقودنا إلى الإحباط.

فحتى لو تمكنت من اتباع نفس الخطوات التي اتبعها غيتس، لن تستطيع أن تحصل على الحظ الجيد الذي حالفه في بداية مشواره.
فعلى سبيل المثال، فإن خلفية غيتس الاجتماعية وانتمائه للطبقة العليا، والتعليم الخاص الذي حصل عليه، كلها عوامل مكنته من اكتساب خبرة أكبر في مجال البرمجة، في وقت كان فيه أقل من 0.01 في المئة من أبناء جيله يمتلكون أجهزة كمبيوتر من الأساس.

كما أن الصلة الاجتماعية التي كانت تربط بين والدته ورئيس شركة “آي بي إم” العملاقة مكنته من الحصول على عقد عمل لدى هذه الشركة الرائدة في مجال الكمبيوتر، وهو ما كان له دور أساسي في إنشاء إمبراطوريته الخاصة في مجال البرامج الإلكترونية.

كان هذا الأمر مهما جدا بالنسبة له أيضا، لأن العملاء الذين كانوا يستخدمون أجهزة كمبيوتر من إنتاج “آي بي إم” كانوا مضطرين لتعلم كيفية استخدام برامج مايكروسوفت التي تأتي مدمجة في هذه الأجهزة. وقد كان لذلك أثر كبير لصالح شركة ميكروسوفت بالفعل.

إذ كانت البرامج الأخرى التي يختارها هؤلاء العملاء في الغالب هي البرامج التي تنتجها شركة ميكروسوفت، وليس ذلك لأنها بالضرورة هي البرامج الأفضل، لكن لأن غالبية الناس لا تمتلك الوقت الكافي للتعرف على برامج أخرى متوافقة مع أجهزتهم، أو لتعلم طريقة استخدامها.
قد يختلف نجاح ميكروسوفت عن بقية الشركات، لكن هذا الاختلاف كان مدعوما بالحظ الذي حالف غيتس في بداية حياته، وبالفكرة التي تقول إن النجاح يولد مزيدا من النجاح.

بالطبع، لعبت موهبة غيتس، وجهوده الكبيرة، دورا مهما في النجاح الباهر الذي حققته ميكروسوفت، لكن ذلك لم يكن هو الأمر الوحيد المطلوب لخلق هذا المستوى من النجاح.

فربما يكون النجاح أو الموهبة أقل أهمية من الظروف المحيطة، وهذا يعني أن غيتس ربما لم يكن ليحقق هذا القدر من النجاح دون توافر هذه الظروف التي ساعدته كثيرا.

وقد يقول أحد أن الكثير من أصحاب الأداء الاستثنائي لا يزالون يتمتعون بمواهب استثنائية أيضا من خلال العمل الجاد، والحافز (المادي) الفريد، وبالتالي فهم لا يستحقون أن نقلل من تقديرنا ومدحنا لهم.
ويطرح البعض فكرة أن هناك “رقما سحريا” للوصول إلى مثل هذا الإنجاز الكبير، في إشارة إلى ما يعرف بقاعدة “عشرة آلاف ساعة” من الممارسة والجهد، والتي تبناها غيتس نفسه.

وقد اكتسب كثير من الخبراء والمهنيين مهاراتهم الاستثنائية من خلال المثابرة والممارسة المتأنية بشكل عام.

ويُشار إلى أن عدد الساعات التي قضاها بيل غيتس في تعلم برمجة الكمبيوتر وهو في سن المراهقة، بلغت “عشرة آلاف ساعة”، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية لنجاحه.

لكن تحليلا تفصيليا لعدد من الدراسات يشير في الغالب إلى أن هناك عوامل محددة تقف وراء نجاح أصحاب الأداء المتميز، وتلعب دورا مهما في ذلك. فعلى سبيل المثال، خرج ثلاثة أبطال قوميين في لعبة تنس الطاولة من نفس الشارع، ونفس البلدة التي تقع في ضاحية صغيرة في انجلترا.

ولم يكن ذلك مصادفة، لكن اتضح أن هناك مدرب تنس طاولة شهير، وهو بيتر تشارترز، تقاعد واستقر في هذه البلدة. وكثير من الأطفال الذين عاشوا في هذا الشارع الذي يقيم فيه تشارترز، انجذبوا إلى هذه الرياضة بسببه.
لذا، تمكن ثلاثة منهم، بعد أن اتبعوا قاعدة الـ “عشرة آلاف ساعة” في الممارسة والتدريب، من تحقيق أداء استثنائي، بما في ذلك الفوز ببطولة قومية في تنس الطاولة في بريطانيا.

وبالطبع كانت موهبتهم، والمجهودات التي بذلوها، ضرورية لتحقيق هذا الأداء المتميز. لكن لولا ذلك الحظ الجيد الذي حالفهم في البداية، والمتمثل في ظهور هذا المدرب الكفء والجدير بالثقة في حياتهم، ودعم عائلاتهم لهم، فإن التدريب لمدة عشرة آلاف ساعة دون وجود متابعة وتقييم من هذا المدرب، ربما لم يكن ليصنع منهم أبطالا قوميين.

ويمكننا أيضا أن نتخيل طفلا موهوبا بشكل فذ في لعبة تنس الطاولة، لكنه يعاني من سوء الحظ من البداية، مثل عدم وجود مدرب كفء يدعمه، أو عدم وجوده في بلد يقدر الرياضيين ويعتبرهم أصحاب مجال مهني واعد. ففي هذه الحالة، ربما لن يجد هذا الطفل فرصة على الإطلاق لإظهار قدراته بصورة تحقق ذلك المستوى من النجاح والشهرة.

وعندما يتعلق الأمر بأصحاب الأداء المتوسط، يبدو أنه من المرجح أن إحساسنا بأننا سننجح سيكون صحيحا. فالحكمة التقليدية التي تقول “كلما عملت أكثر ستكون محظوظا أكثر”، أو تلك التي تقول “إن الفرصة تأتي لمن لديه عقل مستعد لها”، تدعم جيدا وجهة النظر القائلة إن من يبذل جهدا واضحا ينتقل من الأداء الضعيف إلى الأداء الجيد.

لكن فكرة الانتقال من الأداء الجيد إلى الأداء الاستثنائي أو الأداء منقطع النظير، تعد أمرا مختلفا تماما.

اقرأ أيضا: لماذا تتسع الفجوة كثيرا بين الفقراء والأغنياء؟
فوجودك في المكان المناسب (أي الظروف التي تساعدك على تحقيق نجاح كبير من البداية) وفي الوقت المناسب (أي الوقت الذي يحالفك فيه الحظ مبكرا)، يمكن أن يكون له أهمية تفوق ما لديك من مواهب أو مزايا أخرى.

وعندما نضع هذا في أذهاننا، فإننا سنعلم أنه عندما نحاكي أصحاب النجاح من الصفوة، فإننا لا ينبغي أن نتوقع أن نحصل على نفس مستوى النجاح الذي حققوه.

وهناك درس آخر، وهو أن الناجحين ينبغي أن يفكروا جيدا في تقليد أشخاص مثل بيل غيتس (الذي أصبح صاحب دور كبير في العمل الخيري)، ووارين بافيت (الذي يقول إن الأثرياء في أمريكا يجب أن يدفعوا ضرائب أكثر)، لسبب واحد، وهو أنهما اختارا أن يوظفا نجاحهما وما جمعاه من ثروة في أعمال خيرية نافعة.

وبالطبع، فإن أصحاب النجاح والحظ الجيد الذين لا يحتفظون بالثروة لأنفسهم فقط، يستحقون منا احتراما كبيرا.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.

+ -
.