المجهول - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


المجهول
الدمشقي (اسم مستعار. الاسم الحقيقي محفوظ لدى الموقع)
لا تدري منذ متى ولد هذا الشعور بداخلها. اهو ذات الشعور الذي راود أمها حواء عندما أكلت التفاحة؟
لم تحاول البحث عن إجابات للأسئلة الكثيرة التي كانت تثور أحيانا بداخلها، ولم تعير أدنى اهتمام للأحاسيس التي كانت تموت بداخلها مخلفهة وراءها أشواكاً برية.
كانت تبحر بقارب جسد لم يعرف الارتواء، متعطشا كقطة برية، وآذان فقدت القدرة على سماع الأصوات، إلا ذاك الصوت الذي كان يسلبها كل حقوقها وينتشي بتنهداتها المتقطعة، فلم تستطع أن تقول.. لا.
تنظر إلى نفسها في المرآة، محاولة استرجاع ذاتها التي فقدتها، فتتذكر تلك الفتاة الذكيهة المرحة، الطموحة للكثير، وذاك الوجه الذي يشع نوراً وترتسم على وجنتيه حدائق بابل، فتسافر داخل عيونها إلى بلاد الأحلام حيث موطن الأمان للحب والعشق.
تتنهد من أعماقها وهي تتمايز جسدها، تتحسسه بيديها فيرتعش. شعرت عندها أنها تقف على بوابة الزمن الذي يكفي خطوة منها كي تدخل في سرداب اللازمن، وتجوب عوالم مضت وعوالم آتية، لم تكن وحيدة فمازالت الأحرف النارية التي كان ينطق بها عبر الأثير، من عالمه الخيالي، تفرض سحرها عليها، وبحركة فوضوية مسحورة ولا إرادية، رمت ملابسها لتقف عارية.
لم تؤمن أبدا بعالم الجن والخيال، وكانت تعتبر أن كل ما قرأته من أساطير قد أحاكته أيد بشرية، فكانت قوية وواثقة من نفسها، وتعرف أين تخطو ومتى. أما الآن فقد انهار كل شي. أصبحت كأرض مسلوبة احتلها المغول.. كل شي مشرع ومسموح... عاد ذاك الصوت ليفرض سحره عليها، وإذ بها تشعرت أن الأرض توقفت عن الدوران، وأصبحت تنقاد في دوامه كوكب لم تعرفه.
كل ما كان يحدث معها لم تستطع إيجاد تفسير له. أهو بفعل ذاك الصوت الآتي من البعيد الذي سلبها كل ما تعتز به امرأة، أو هو صوت روحها الدفينة والمأسورة بتربية وتقاليد ترفض أن تخضع لها، فكانت كمريض بنوبات الحمة، تعصف بجسدها أحاسيس ومشاعر، أحيانا حيوانية وأخرى إلهية.
أيقنت الآن كم هي ضعيفة، فيديها كانت تجتاح جسدها لتترك أصابعها حروقاً لذيذة أينما مرت، وكان جسدها بدوره يلتوي أحيانا ويثور أحيانا أخرى، بعد مغادرتها، وكأنه لعبة في يد طفل يسبر أغوار عالمه الجديد. وبدأت تشعر بذاك الصوت يتحول إلى أنفاس دافئة تجتاحها من الداخل، وكأنه ردت فعل داخلية لما تحيكه يديها من الخارج.
لم تقو على الوقوف أكثر، فارتمت على الأرض وبداخلها صوت ينده أمها الأولى ليقول: أعيديني.. أعيديني...